لقد ظهر المسرح الشعري عند صلاح عبدالصبور بعد مسرح أحمد شوقي الشِعري، وعزيز أباظة، وعلي أحمد باكثير، وهذا يعني أنَّه جاء في مرحلةٍ متأخِّرة عنِ الكلاسيكية العربية، أي أنَّنا سنجد في أعماله المسرحية الشعرية تطوُّرًا قائمًا بشكلٍ تلقائي وطبيعي، لذا تميَّز عنِ مسرح الكلاسيكيين باعتمادِه على شِعر التفعيلة في بناء دراماه، إذ سيكسبها مرونةً قد لا تتوفَّر في المسرح الذي يعتمد على الشعر العمودي.
يرى مدحت الجيار أنَّ مسرح عبد الصبور الشِعري تغلَّبَ في المقام الأوَّل على التزاوج بين الدراما والشِعر، وأيضًا تغلَّبَ مِنْ جهةٍ أخرى على الصراع الموسيقي بين العروضيين المعتمدين على القصيدة العمودية والتفعيليين؛ ليكونَ مسرحًا مُتقدمًا بالنسبةِ لمَنْ عاصروه، ونحنُ سوف نسأل هل خرج عبد الصبور على المسرح الشعري العربي الذي يعتمد على الموضوعات التاريخية في أثناء تلك المرحلة؟ وهذا السؤال لا يجعلنا ننسى التحديث الإيقاعي المُتمثل في شِعر التفعيلة الذي أدخله عبدالصبور على المسرحيات الشعرية.
إنَّ عبد القادر القط يؤكِّدُ حضور التاريخ في مسرحية مأساة الحلاج كما هو الحال في مسرح أحمد شوقي، وعزيز أباظة، وعلي باكثير، وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم.
إنَّ مسرحية مأساة الحلاج على سبيلِ المثال قد لجأتْ إلى شخصيةٍ تاريخية حافلة في نشاطها الفكري والصوفي، ولقد اتخذتْ مِنها مادتها، وموضوع قضيتها، وصراعها، ويقولُ عبد القادر القط.. إنَّ مسرحية مأساة الحلاج قد امتزجَتْ فيها حياة الحلاج الصوفي المعروف بشيء غير قليلٍ مِنَ الأساطير، لكِن صلاح عبدالصبور لمْ يشأْ أنْ يخوضَ في ذلك الجانب الأسطوري، وآثرَ أنْ يحتفلَ بالجانب الروحي، والنشاط الاجتماعي لشخصية الحلاج.
فمِنْ خلالِ ما سبقَ نكتشِفُ أنَّ مسرح صلاح عبد الصبور لم يخرجُ عن استخدام الموضوعات التاريخية في مسرحه الشِعري، بل قد أسقطَ ذلك التاريخ على الواقع المعيش في تلك الحِقبة، وهذا بالضبطِ ما كانَ يسعى إليه أحمد شوقي في مسرحه الشِعري، ليكون عبد الصبور امتداد لشوقي في استخدامهِ للموضوعاتِ التاريخية في مسرحه ولعلي أُمثِّل هنا بمسرحية شوقي مصرع كليوباترا التي تناولت الأيام الأخيرة للملكة، ولو عدنا لمسرحية مأساة الحلاج لعبدالصبور سنجدها بدأت من النهاية التي انتهت بصلب الحلاج وشنقه.
إنَّ العوامل التي تجعلُ الشِعر شِعرًا رائعًا هيَ نفسُها العوامل التي تجعلُهُ دراميًا عميقًا، هذا ما قاله محمد عناني تعقيبًا على كلام أليوت، وفي الحقيقة أنَّ الشِعر المسرحي، ودراماه عند صلاح عبد الصبور قد اتَّسمتْ بالعمق، وهذا يتجلَّى في بُعدِ الحدث، وعمق الفكرة، وجماليَّة الحوار، ولكنَّها في نفس الوقت لم تخرج عن المسرح الشعري عند شوقي وهذا يتجلَّى في مسرحيَّته مأساة الحلاج، وليلى والمجنون.
يرى طه وادي أنَّ الشعر الجديد والمعاصر قد وُلِدَ في أحضانِ المسرح، وهو إذْ يرى أنَّ الشِعر الحر أكثر مواءمة للدراما مِنه إلى الغناء؛ لأنَّ هذا النمط الشِعري يحمِلُ إمكانات خصِبة لبِناء الأعمال المسرحيَّة، وهذا كانَ واضِحًا في مسرحِ صلاح عبد الصبور إذ ظهرَتْ في الإمكانات البعيدة التي يمنحُها لها هذا الشكل الشِعري المُستحدث.
** **
- راشد القثامي