تبدو الكتابة ممارسةً لفعل تفريغٍ أو هتك ظُلمة!
وأنا اليوم أكتب بنيّات جديدة، وأرغب في دهن المسافة الفاصلة بيني وبين نفسي بحرفٍ ينتشلني حالاً من حالة التهاوي إلى أعماقي، على الأقل قبل أن أصاب بسوء، وهذه هي المعضلة، حين يكون الحرف مثيراً للزلق، وفي الوقت ذاته، يساعدني على النجاة من فعلتي الحمقاء التي تتكرر كثيراً، حين أقرر مجتهداً استقراء النفس، وكنس الظلمات، وتوحيد الشتات.
لم أكن جازماً فيما سبق بفكرة الكتابة الاستقرائية، تلك التي تنبئ عن خفايا المُهجة، وكنت على يقين تام بأن الكاتب يستطيع أن يعيش في حالة انفصامٍ عن واقعه عندما يكتب، أي نعم أنني كنت ومازلت مؤمناً جداً بنظرية موت الكاتب، إلا أن الواقع يحكي أن ذلك الفصل يعني (فصل الوقائع) المذكورة في كتاب ما عن حياة الكاتب الشخصية، إنما تتأثر منطلقات الإنسان وآرائه ببيئته المحيطة قطعاً.
ولم يكن سهلاً أن يكتب أحد ما عن نفسه، فحين دارت تلك الفكرة في سريرتي، شعرت بأن كل أدواتي التي كنت أستعين بها قد تغيرت، ما يعني أن الحسبان صار أعمق، حتى امتلأت بما يجب أن آخذه في حسباني، ولم تعد تفلت الشوارد مني كثيراً، بل تتشبث في كل كلمة، بل حتى في علامات الترقيم، وصرت أربطها بمواقيتي وتأثيرها علّي. بدأت أظن بعقفات خطي ظن السوء، وأبرر كثيراً، وأمحو كثيراً، وأعيد الصياغة كثيراً كي لا أشعر بأنني كذبت مثلاً، وحتى لا يظن بي الرياء في بعض الأحيان!
إن هذه المواجهة دائماً خاسرة، لأن جسدك ونيّاتك وأفعالك ومبرراتك تتحول كلها إلى فخ هلامي، تقع فيه دون أن تشعر، وإنه من المؤسف حقاً أن يظن الكاتب بأنه مصيدة يتصيد الأخطاء من الأعماق ويعريها، فإذا به قد صار أسيراً في فخ نفسه!
وحتماً كان خروجي من هذه المعركة مؤذياً جداً، فسقوطي أمام نفسي يضعفني أمام الآخرين، فضلاً عما تسبب فيه استدرار الذكريات من آلام كنت في غنى عنها، بل واعتقدت أنني استطعت أن أتجاوز آلامها منذ أمد بعيد.
أخيراً: حذار أن تنوي الكتابة عن نفسك، فتلك فكرة حمقاء!
** **
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@AaaAm26