من الممكن لنا أن نعتبر هوبز هو المشرعن الأكبر في تاريخ الفلسفة للسلطة بنظريته الفلسفية التي أسسها تحت إطار (العقد الاجتماعي)، فهو الذي أعطى السلطة الحق في أن تُطاع وأن يخضع لها الإنسان حتى يسلم بنفسه من القتل والظلم الذي سيناله من رفيقه الإنسان. وينطلق في هذا من فلسفته التي يقرر فيها أن «حالة الإنسان هي حالة حرب الجميع ضد الجميع» (اللفيثان ص140) ، وبالتالي فإن الوفاق بينهم لا يتم إلا بالتنازل لحاكم مطلق ؛ سواءً كان هذا الحكم ملكي أو ديموقراطي أو ارستقراطي؛ فالتنازل لهذه السلطة المطلقة هو المنقذ للإنسان من أخيه الإنسان.
وبما أنه يعتبر (السلطة) هي الرغبة الأولى لدى الإنسان؛ فالشرف والمعرفة وغيرها هي أنواع متعددة للسلطة (اللفيثان ص82) فإنه يعتبر الحاكم هو (جبل اللفيثان) أو هو (الإله الفاني) مقابل (الإله غير الفاني/المعبود)؛ فالحاكم إله فان؛ يأخذ من الإله غير الفاني حق الطاعة والخضوع له؛ حتى وصل به الحال في إقرار السلطة و شرعنتها ؛ رفْضَه أن يكون القانون سائرًا على الحاكم ؛ لأنه لو كان سائرًا على الحكام لوجب أن يكون هناك قاضٍ فوق الحاكم، ولو وُجد قاضٍ فوق الحاكم معناه لم يكن الحاكم هو السلطة المطلقة (اللفثيان ص322) . والحاكم هو من يعيّن القضاة و المستشارين والوزارء؛ وهو وحده من يحدد دفع المال وتوزيعه وهو من يحدد خوض الحرب من عدمها ؛ وكل هذا يقرره هوبز باعتبار المحافظة على الإنسان من أخيه الإنسان ؛ و لأجل السلم و نبذ الحروب ؛ حتى إنه لا يفرق بين نوعية الحكم ملكيا كان أو ديموقراطيا أو ارستقراطيا إلا بالمحافظة على أمن الشعب ، ومن هذا فإن الحرية لديه مرتبطة بالخوف ؛ فالخوف هو المقدم على الحرية أو هو المتحكم بها؛ فالخوف هو ما يجعلنا نرمي أشياءنا من السفينة بإرادتنا حتى لا تغرق (اللفيثان ص217) .
ولعل هوبز في فلسفته حول السلطة/اللفيثان وتأسيسه لها في كتابه اللفيثان يعتبر مغرقا فيها؛ وينزع حرية الفرد ويمنحها للحاكم؛ لكنه مقارنة بمرحلته التاريخية التي سيطرت فيها الامبراطوريات وشاعت فيها الحروب تُعتبر هذه الفلسفة من قبيل الحرية ؛ و يُنظر إليها كانتصار لذات الإنسان من القتل والتقتيل السائد في تيك المرحلة؛ إلا أن مراحل البشرية المتقدمة حول علاقة الشعوب بسلطتها نالها الكثير من التغيير والتحرر؛ وبالخصوص في نظرية العقد الاجتماعي مع مونتسكيو وجون لوك وجان جاك روسو من بعده؛ و وصل المجال الفلسفي المعاصر بنقض هذه السلطة وتحليلها كما نرى عند فوكو وقليلاً عند تشومسكي؛ فحَفَرَ فوكو تاريخ السلطة في القرون السالفة الحداثية التي سيطرت على (الجنون) و(الأمراض) و(المجرمين)؛ ولا أدري ما الذي يمكن أن يقوله هوبز حينما يقرأ لفوكو تفكيكه للسلطة؟!
** **
- صالح بن سالم
@_ssaleh_