لفت انتباهي مقال في إحدى الصحف الغراء يطرح كاتبه سؤالاً: متى يصحو الضمير الإنساني؟ وبعدما تجرعت الوجع الكامن في السؤال، والأحداث المخزية التي أثارت السؤال، انهالت في وجداني سلسلة من الأسئلة وكأنها شريط إخباري لا أستطيع إيقافه!
هل الناس كلهم سواسية ولهم ضمير واحد؟ وإذا كان الناس ليسوا سواسية وضمائرهم مختلفة فهل يمكن تحويل السؤال إلى: متى يصحو ضمير فلان؟ وإذا كان الجواب نعم، فهل يجب طرح السؤال لكل فلان من الإنسانية؟ وإذا كان هذا الأمر مستحيلاً، إذن ما العمل؟ هل نتخلى عن السؤال الضروري في عالم يقتل لمجرد القتل، بل يبيد شعوباً ويستخرج أخرى من قبور التاريخ؟
لن أكمل شريطاً إخبارياً لا قرار له وأذهب مباشرة إلى السؤال الأساس: ما الضمير؟ وكي لا أدخل في التعاريف المتعددة في القواميس التي تحاول إعطاء وصف لمفهوم مطلق لا يوجد في الواقع العملي، أختلس من قاموس المعاني تعريفاً لتأنيب الضمير وهو: ما يحسه الفردُ من عذاب أو ندم أو اتّهام لذاته بارتكاب غلطة أو خطأ نتيجة سلوك قام به.
إذن الضمير هو الوازع الداخلي لدى الفرد الذي يوجهه لما هو خطأ أو صواب من وجهة نظره هو ذاته. أي أن الضمير هو مكون ذاتي لكل شخص على حدة، ولا يوجد ضمير مشترك بين مجموعة من الناس. أما الخطأ لا يمكنه أن يكون مفهوماً فردياً، إنما هو بالأساس مفهوم اجتماعي، فاللص مثلاً عندما يسرق لا يسرق من أمواله الشخصية، إنما من شخص آخر أو من المال العام الذي يخص المجتمع كله، وإلا لا يمكن تسمية هذا الفعل سرقة!
الضمير إذن مرهون بالموقف الاجتماعي، وهذا الموقف مرهون أيضاً بالصراع الاجتماعي القائم منذ بداية الحضارة بين الظالم والمظلوم. المظلوم يناضل كي يتخلص من مظلوميته ويستنجد بغيره من المظلومين لمواجهة الظلم ويساعد غيره من المظلومين أيضاً. وإذا ائتُمِن على أموال أو مصير مظلوم آخر أو المال العام، لن يألو جهداً للحفاظ عليه. إذن الفقير المظلوم هو الذي يمتلك ما يسمى ضمير، فهل يمتلك الظالم ضمير؟
لو كان للظالم ضمير لما ظلم، وحياته كلها مبنية على استعباد الآخرين وسرقة اللقمة من أفواههم! فهو لا يوجد لديه ضمير بل لديه مصلحة، وهذه المصلحة مرتبطة بقهر مصلحة الآخرين حتى لو كانوا ظالمين مثله. هنا السؤال يطرح نفسه بشدّة: ما هو تعريف المصلحة؟... في القاموس المصلحة: (ما فيه صلاح الشيء أو الحال) فهل في الاستعباد والاضطهاد والقتل بدون سبب وتمزيق الأوطان والنهب صلاح الشيء أو الحال؟ وإذا كان الربح وتعطيل الثروة في أقبية البنوك هو الهدف «الأسمى» لدى الظالمين فهل يجوز تسمية ذلك الهدف مصلحة؟ فالمصلحة كما الحرية (تنتهي مصلحتك عندما تبتدئ مصلحة الآخرين).. ثم يأتيك من يقول -بإيعاز أو بسذاجة- من «مصلحة» الغرب عدم توحّد الدول العربية، ولكن ماذا بشأن الدول العربية؟ هل لديها «مصلحة»؟ ومصلحة من تؤخذ بالحسبان؟
إذن كلمة «مصالح» تستخدم لتغطية «الجريمة» التي يرتكبها الظالم!.. المظلوم في هذا المجال يمتلك «مصلحة» لا تضر بمصلحة الآخر، وبالتالي فهو يمتلك ضمير، أي لديه وازع للحفاظ على مصلحته ومصلحة المجتمع.
الضمير إذن هو موقف في صلب الصراع الاجتماعي القائم بين الظالم والمظلوم، ولا يوجد ضمير نائم لدى الجزء الظالم من الإنسانية لكي يصحو. فالإنسانية نوعان مظلوم لديه ضمير رغماً عن أنفه والقرار ليس بيده إلا إذا قاوم الظلم، وظالم لا ضمير له، وهو للأسف الشديد محسوب من الإنسانية، وبيده الثروة والقرار، فمن أي نوع من «الإنسانية» أنت عزيزي القارئ؟ من الذين لديهم ضمير مستيقظ؟ أو ضمير لم يستيقظ بعد؟ أم لا هذا ولا ذاك؟
** **
- د. عادل العلي