علي الخزيم
هو عبد الرحمن الجبرتي العقيلي الهاشمي. قيل إنهم أسرة حجازية، انتقلت إلى (جبرت) بإريتريا، ثم انتقل جده لأبيه إلى القاهرة للدراسة بالأزهر، وهو كذلك يُعد من أعلام علماء الأزهر، واشتُهر بأنه مؤرخ مصري، عاصر الحملة الفرنسية على مصر، ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) المعروف اختصاراً بتاريخ الجبرتي، ويُعَد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة المهمة من الحملة الفرنسية.
إذا علمنا حجم قامة هذا العالم ومركزه الاجتماعي بين قومه ومريديه وطلابه، ووالده العالم الثري من قبله، الذي يقال إن له ثلاثة بيوت بأنحاء القاهرة، لا تخلو من العلماء وطلبة العلم في كل الفنون.. فكيف نفسر الرواية المنسوبة للابن (الجبرتي) عن قصة والده مع النساء، وأن زوجته - أي الوالد - كانت بارة به لدرجة أنها تجلب له الجواري الأبكار الحسان وتُجَمِّلهن وتقدمهن إليه زوجات بالحلال، فإذا ما شعرت بأنه قضى وطراً من إحداهن أبدلتها بأطيب وأجمل منها. وتقول الرواية المنسوبة للابن إن والدته إنما تفعل ذلك وتُسَرُّ به إرضاءً للجبرتي الوالد!
يبدو أن من نسج القصة - وهذا ما أميل إليه - استغل شهرة الجبرتي الوالد بالثراء وما له من بيوت بالقاهرة ليلصق به وبزوجته هذه الأقاويل الداعية للتعدد وللاستشهاد بأن علماء المسلمين في الغالب إنما يهمهم النساء والمال والجاه والانصراف عن البحث العلمي بالتفرغ للملذات حينما يتمكنون من ذلك. وهذا الرأي مستمد من ثنايا قصة مقتل ابنه (خليل). ويقال إن الجبرتي خالط الفرنسيين، وسَبَر أحوالهم، ورصد تحركاتهم، وتعرَّف على أقوالهم وأفعالهم، وكان أكثر العلماء الأزهريين دقة في تدوين ملاحظاته على نظام الحياة بمجتمع الجنود الفرنسيين، وتبيَّن ذلك بكتابه تاريخ الجبرتي، وبما حدث بينه وبين محمد علي باشا، فبعض المؤشرات تشي بأن قصصاً وحكايات تطول العلماء المسلمين والعرب ممن لا يسيرون بركب المستعمر.
لا أرتاح لتصديق الرواية، ولا أكذبها، فالجبرتي عالم إسلامي عربي ورع، فهل يمكن أن يسلك مسالك الرعاع والدهماء بالجري وراء النساء بغرض المتعة؟ وهل زوجته بهذا القدر من الحماقة والجهل؟! فثمَّة أقاويل وروايات منقولة عن الأوائل، يتناقلها الآن مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، وكلٌّ ينسبها لمن يرغب أن يرمز لسيرته سلباً أو إيجاباً، والبعض ينقلها مع علمه بأنها لا تصح عَمَّن نُسبت إليه فعلاً وقولاً، وقد لا تتفق مع زمانه ومنهجه، لكنه أراد أن يُعزز بها رأيه كمستند لموضوع النقاش ليس إلاَّ. وبعض آخر ينقل ويكرر دون تمحيص لمجرد الإعجاب. وفي شأن الزواج التعددي تجد من يردد مثل هذه المقولات المنسوبة لعلماء ومشاهير ليس إعجاباً بهم بقدر ما هو إعجاب بما قيل إنهم فعلوه بتعدد الزوجات. ومن يردد هذه القصص في الغالب هم ممَّن تراودهم أنفسهم بفعل الشيء ذاته، لكنهم مترددون لسبب من الأسباب، أو أنهم فعلوه أو يكادون؛ ويُقدمون المبررات كمصدات لردود أفعال محتملة، ولِكُثَيِّر قوله: (ويُعْجِبُك الطَّريرُ فَتَبْتَلِيه * فيُخْلِف ظنك الرجُلُ الطَّريرُ).