الرياض- خاص بـ«الجزيرة»:
طالبت الخبيرة الاقتصادية دكتورة نوف بنت عبدالعزيز الغامدي بوضع استراتيجية للأوقاف لتحقيق الربح وتنويع الاستثمارات ودرء المخاطر، مشيرة إلى أن الغرب يطبقون فكرة الوقف الإسلامي، وأن ثقافة الوقف غابت عن المجتمعات العربية والإسلامية واستفاد من آلياتها غير المسلمين.
الدكتورة نوف الغامدي في حوارها مع «الجزيرة» تبوأت العديد من المناصب والمهام والأعمال إلا أنها تعتز بأمومتها وأنه من أهم المناصب التي حصلت عليها، وتشغل بنت الوطن المتميزة علماً وعملاً وخلقاً منصب الرئيس التنفيذي والمؤسس لمجموعة chief outsiders consulting للاستشارات الإدارية والدراسات الإستراتيجية، والرئيس التنفيذي للمكتب التنفيذي لإدارة المشروعات والشراكة، والرئيس التنفيذي لمركز استدامة لحلول الشركات العائلية، والرئيس التنفيذي لمركز ريادة لتنمية المؤسسات المتوسطة والصغيرة، ومستشارة تخطيط الخلافة للشركات العائلية، والعضو المنتدب لهيئة الدراسات والاستشارات الأوروبية الأمريكية، ومستشار غير متفرغ باللجنة الاقتصادية التابعة للاتحاد الأوروبي، وعضو اللجنة الاستشارية العلمية للأكاديمية الدولية لريادة الأعمال، وسفيرة التخطيط الاستراتيجي من الهيئة الأوروبية الأمريكية وحاصلة على وسام التميز في التخطيط الإستراتيجي.
وتؤكد دكتور نوف الغامدي على ضرورة توسيع دائرة الوعي بالوقف وأهميته ونشر ثقافته حيث إن الاهتمام به يعزز خطط ومراحل التنمية وارتقاء المجتمع وتناول الحوار معها العديد من القضايا المتعلقة بشؤون الأوقاف وسبل تطويرها وتنميتها في المرحلة المقبلة.. وفيما يلي نص الحوار الثر مع دكتور نوف الغامدي:
* كمتخصصة كيف يمكن أن يكون الوقف قطاعا اقتصاديا ثالثا موازيا للقطاعين العام والخاص؟
- من المؤكد أن الأوقاف هي قطاع اقتصادي مهم، فتطوير ما يعرف بالقطاع الاقتصادي الثالث المتمثل في مشاركة مؤسسات المجتمع الأهلية في العمل غير الربحي والخيري والوقفي يمثل إحدى ركائز تطوير الاقتصاد، وبالتالي فهو مكون رئيس في رؤية المملكة الاقتصادية المستقبلية. هذا القطاع يتمثل في أربعة أنواع رئيسة من المؤسسات أو الجمعيات وهي: الخيرية، التعاونية، غير الربحية، الوقفية. والأوقاف وهي آلية تمويل لأي من المؤسسات والقطاعات الأخرى، لكنها تحتل مكانة رئيسة عند نقاش العمل غير الربحي. والأوقاف ربما تكون شروطها وتعريفاتها من الناحية الدينية واضحة، لكن تظل بحاجة إلى تأطير مرجعيتها وتطوير وتسهيل أنظمتها الإجرائية المختلفة كأنظمة الحوكمة والتقارير المحاسبية السنوية وغير ذلك، فقطاع الأوقاف من القطاعات شديدة الأهمية في المجتمع وذلك لإسهاماته المؤثرة في المجالات الاجتماعية والتنموية باختلاف أنواعها، بالتوازي مع باقي مؤسسات الدولة، كما أن الاهتمام بالوقف يعزز خطط ومراحل التنمية وارتقاء المجتمع.
والوقف العائلي له أهمية كبيرة فالأوقاف إذا أديرت بطريقة احترافية أدت إلى زيادة عوائدها وكانت وسيلة للتكافل الاجتماعي وتخفيف العبء عن الدولة والاستفادة من البرامج الأسرية، كما أن عوامل نجاح الأوقاف في الشركات العائلية من خلال تنوع الأوقاف ما بين العقارات والأسهم والمزارع وتنويع الاستثمارات وتفعيل دور مجلس الإدارة وتوسيع صلاحياته ومنحه المرونة اللازمة حسب الزمان والمكان لتحقيق الأهداف الإستراتيجية واستمرارية تنمية الأوقاف والمحافظة عليها ذاتياً من خلال تخصيص 25 في المائة من صافي الأرباح للاستثمار وتحديد مكافآت أعضاء المجلس كنسبة من صافي الأرباح لتحفيز المجلس لتنمية الأرباح وربط المكافآت بحضور الجلسات ومنح المجلس الدائم صلاحيات تعيين 3 أعضاء في المجلس عند الحاجة ويتمتع بصلاحيات العضو الدائم ولدورة واحدة قابلة للتجديد والتوسع في مصارف الوقف، ومنح المجلس المرونة في بعض القضايا وعمل ميزانيات معتمدة من المحاسب القانوني قبل أي صرف خيري أو استثماري.
كما أن أهمية اعتماد نظام الحوكمة في الأوقاف واستقلالية الإدارة التنفيذية في مجلس الإدارة وتشكيل لجان رقابية منبثقة من المجلس واعتماد الشفافية والإفصاح في الأنظمة واللوائح والصلاحيات وعمل لجان للأوقاف مثل: لجان المراجعة الداخلية والمكافآت والترشيحات والاستثمار والمنح، ولا بد من وضع استراتيجية للأوقاف من خلال اعتماد خطة عشرية تهدف لتحقيق الربح وتنويع الاستثمارات وتحقيق إدارة فعّالة لدرء المخاطر وتحويل 20 في المائة كهدف تمويلي من رأس المال وفي مشروعات قليلة المخاطر كدليل عمل بجدية الوقف.
في المجتمع الإسلامي لعب الوقف دورا مهما على صعيد التنمية الاجتماعية، وفي عصرنا الحالي يلاحظ أن هذا الدور يشهد تراجعا كبيرا أين تكمن المشكلة؟
- القارئ للتاريخ الإسلامي سيكتشف وبسهولة أن الأوقاف الخيرية كانت تمثل رافداً مهماً من روافد بناء المجتمع والفرد معاً لأنها كانت تتيح الحصول على المال لتحقيق المصالح العامة كتعليم الطلبة والإنفاق عليهم خلال مرحلة دراستهم أو إنشاء المستشفيات أو الملاجئ فيما كان يسمى بالتكايا، أو رصد الأموال لخدمة بيوت الله وتعميرها أو مساعدة المحتاجين في مختلف المجالات ولكن في الفترة الأخيرة تراجع دور الوقف الخيري وليس هذا فحسب بل إن الأثرياء من المسلمين انصرفوا عن وقف بعض أموالهم لصالح المشروعات الخيرية، ويكفي أن تأتي شهادة البروفيسور اليهودي إسحاق رايتر لنظام الوقف في الإسلام حيث ألّف كتاباً عنه يقول فيه: إنه نظام مهم جداً ولا يوجد مثله في العالم، فهو يسمح بتداول الثروة.. هذه المعضلة التي استعصت على كل النظريات والفلسفات، أن هناك تعطيلاً منذ فترة طويلة لمؤسسة الوقف فباستثناء الأموال الموقوفة منذ مئات وعشرات السنين لن تجد ثرياً يوقف جزءاً من ممتلكاته لصالح المشروعات الخيرية ولا جدال في أن تغييب دور الوقف كان له أبلغ الأثر في تفشي مشكلات اجتماعية خطيرة مثل الفقر والبطالة والمرض والعنوسة وتراجع قيمة التعليم، حيث كانت الأموال والممتلكات التي يوقفها الأثرياء في الماضي تنفق على الفقراء وتساهم في تشغيل العاطلين وتعلم المحتاجين وتعالج المرضى وتزوج الشباب والفتيات غير القادرين ولكن مع الانصراف عن وقف الأموال فإن المجتمع المسلم المعاصر تفشت فيه الظواهر السلبية وفي الوقت الذي غابت فيه ثقافة الوقف عن المجتمعات العربية والإسلامية انتشرت فيه هذه الثقافة في المجتمعات غير المسلمة التي استفادت وبحق من الآليات التي شرعها الإسلام من أجل مكافحة المشكلات الاجتماعية المختلفة فالمتابع للغرب اليوم سيفاجأ بأن كل أسرة أوروبية أو أمريكية تخصص تلقائياً نسبة من دخلها السنوي للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية كما أن رجال الأعمال والأثرياء هناك يرصدون تلقائياً وكظاهرة عامة مستقرة في يقينهم بعض ما يملكونه من عقار أو أموال لصالح الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية أي أنهم من حيث لا يدرون يطبقون تلقائياً فكرة الوقف الإسلامي.
* يعتقد البعض أن كمال الأجر محصور في بناء المساجد والأضاحي.. ما السبل الكفيلة لنشر ثقافة الوقف في المجتمع السعودي حتى تتعدد إسهاماته الاجتماعية والاقتصادية؟
- لا بد من توسيع دائرة الوعي بالوقف وأهميته وفوائده الدينية والدنيوية وإدارة البركة من خلال نشر ثقافة الوقف عير المشاركة في المؤتمرات المختلفة والتعاون مع البرنامج الوطني للمؤتمرات والمعارض بتخصيص جزء من المنتديات والمؤتمرات للتوعية بالوقف، التوعية من خلال الإعلام الجديد ومواقع التواصل للشباب عن الوقف وعوائده المستقبلية وأهمية التكافل الاجتماعي، إنشاء التطبيقات المختلفة لتتواكب مع فكر الشباب وسهولة الوصول للمعلومة، تشجيع العائلات التجارية على الوقف لما له من أثر على استدامة الشركات ونموها، كذلك المؤسسات المتوسطة والصغيرة والجامعات والكليات، إعداد برامج لتربية الأطفال والنشء على فكر العمل الوقفي وأهميته المجتمعية.
* بعد إنشاء هيئة الأوقاف وربطها بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.. ترى ما المؤمل من هذه الهيئة في رسم خارطة طريق جديد للأوقاف بالمملكة؟
- وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لدينا تشرف على هذا القطاع لكن الواقع يشير إلى تنظيماتها وتشريعاتها في هذا الشأن ركزت لفترة طويلة على الفئتين الأولى؛ الجمعيات الخيرية والتعاونية؛ ولم تكن لديها تشريعات واضحة حول الفئتين الأخريين، ولكن الآن أصبح الأمر أكثر وضوحاً مع إنشاء الهيئة العامة للأوقاف، التي تهدف إلى تحسين وتطوير قطاع الأوقاف في المملكة من خلال الأهداف والرؤى المستقبلية التي تسعى إلى تحقيقها، مستندةً في ذلك إلى نظامها الذي نص على ضرورة تنمية وتطوير قطاع الأوقاف، والعمل على نشر الوعي المجتمعي بأهمية الأوقاف، وتوجيه مصارفها بما يخدم المستفيدين منها وفق شرط الواقف وبما يسهم في تحقيق التنمية، لأهمية قطاع الأوقاف ودوره الاقتصادي والتنموي وهو إحدى ركائز رؤية المملكة الطموحة 2030 وخطة التحول الوطني 2020، وإنشاء الهيئة يعتبر هيكلة لقطاع الأوقاف، وتمكينه من تأدية دوره الاقتصادي والاجتماعي وتجاوز العقبات التي حالت دون نمو الأوقاف في السابق، لأسباب تشريعية وإدارية. والإحصاءات التقريبية حول حجم قطاع الأوقاف في المملكة ومعدلات عوائدها، تذكر أنها تجاوزت 500 مليار ريال ومعدل عوائدها 5 في المائة، ولو تمكنت الهيئة الجديدة من حصر المؤسسات الوقفية من عقارات ومزارع وأراض وغيرها وتنميتها بالشكل المتعارف عليه لأصبح لدينا مؤسسة اقتصادية عملاقة لا يستهان بها في تنمية الدخل الوطني، فضلا عن الآثار غير المباشرة في تنمية فرص العمل وخفض نسب البطالة وتنمية الطلب على السلع والخدمات، وتنشيط الحركة الاستثمارية، وتعزيز جانب المسؤولية الاجتماعية التي يروج لها الآن بقوة.
ولتحقيق تنمية وقفية مستدامة، لا بد من تأسيس مصرف للأوقاف أو شركة مالية تطرح للاكتتاب العام، وتساهم فيها صناديق الدولة الاستثمارية، تهدف فقط إلى تمويل الأوقاف وتطويرها، وتعبئة الموارد المالية لذلك، إما بتمويل مباشر للمشروعات الوقفية، أو عن طريق طرح صناديق استثمارية لمشروعات وقفية محددة. وتساهم إدارة تطوير المنتجات في هذه الشركة المالية في تطوير منتجات مالية إسلامية مبتكرة، تلبي حاجة قطاع الأوقاف، وتكون بوابة للولوج لأسواق رأس المال المحلية والإقليمية والدولية. وأيضا تأسيس شركة مساهمة عامة لتطوير الأوقاف، هدفها استثمار الأوقاف وتشغيلها بعقود طويلة الأجل، وتنفتح هذه الشركة على المؤسسات المالية الاستثمارية المرخصة من هيئة السوق المالية السعودية التي تؤسس صناديق وقفية تعبئ الموارد المالية لاستثمار وتطوير الأوقاف العقارية والزراعية والنقدية، بحسب نظام هيئة السوق المالية. أو أن تقوم المصارف التجارية بتمويل جزء من نشاط شركة تطوير الأوقاف، وتضمنها لدى المصارف صناديق الدولة الاستثمارية التي يؤمل منها المساهمة في تأسيس الشركة. وبالتوازي مع ذلك تعمل شركة تطوير الأوقاف استراتيجيا على تشكيل تحالفات مع مستشارين محليين وعالميين لتطوير أدائها ومخرجاتها وإعداد الكفاءات التي تخدم القطاع.
الترخيص لشركات تقدم خدمات النظارة الاستشارية والميدانية تخضع لتصنيف وإشراف من هيئات حكومية متخصصة، تشرف عليها وتراقب عملها ونتائج إدارتها وتشغيلها للأوقاف. وتفعيل استخدام التقنية في خدمات إدارة الأصول الوقفية لتحقيق فعالية أكبر ورقابة أشمل، يضمن بها مستوى أعلى من الشفافية. خاصة أن طبيعة الأوقاف الاستثمارية والعقارية تمكن من مقارنة أداء النظار بنظرائهم في القطاعات المختلفة.
* مصارف الأوقاف تتعدد وتتنوع في أشكالها وحجمها، ترى ما الأثر الذي أحدثته الأوقاف في المجتمع؟
- إن تفعيل دور الوقف لا يمكن أن يتم وفق صوره التاريخية القديمة خاصة في ظل استحداث المجتمعات الإسلامية المعاصرة لقوانين تخالف تشريعات الوقف كما عرفه المسلمون قديماً، ولهذا فمن الواجب أن نعمل على استحداث صور وقفية جديدة تتفق مع الشريعة والعصر الذي نعيش فيه فعلى سبيل المثال من الممكن استحداث صناديق وقفية تقدم إسهامات لإقامة المشروعات الصغيرة للشباب أو تقديم العون للمرضى من الفقراء أو المنح الدراسية للطلبة غير القادرين وإنشاء صناديق وقفية لتعمير الصحراء، وأخرى لمحو الأمية، ولكن بشرط ألا تدار بواسطة الحكومات لأن الوقف ليس نظام دولة.
والأوقاف لها آثار اقتصادية وثقافيه واجتماعية، من أهم الآثار الاقتصادية: إيجاد أصول ثابتة لصالح المجتمع، تقليل صرف الميزانية وإيجاد فرص عمل والتخفيف من البطالة وحماية الأموال. ومن الآثار الاجتماعية: حل مشكلة الفقر وسد حاجة المحتاجين، التقريب بين طبقات المجتمع وتقليل الفساد..
كما أن أهمية قياس الأثر لأي مشروع خيري يتم دعمه ولا بد من وجود قياس أثر لكل مشروع بمعايير مهمة للتأكد من نتيجة وتطبيق الحوافز بمؤشرات أداء دقيقة. وأوضح أن القطاع العقاري به أكثر من 3 آلاف مستأجر نسبة التحصيل فيه 99 في المائة، وتكلفة التأجير والتحصيل بنسبة أقل من 2.5 في المائة. كما أن مزارع الأوقاف تعد من أكبر المزارع على مستوى العالم، حيث يبلغ عدد النخيل 250 ألف نخلة مع وجود مركز لأبحاث النخيل وإدخال الميكنة في كل العمليات الزراعية.
* توالت المشاركات الوقفية النسائية طوال التاريخ الإسلامي وحتى عصرنا الراهن ولم تعرف انقطاعا قط.. ترى متى سيتم تولي المرأة السعودية إدارة أوقافها أو أوقاف ذويها حتى لا تستغل أو تتعرض للسرقة؟
- ثقافة المجتمع حول الوقف والاعتقاد بأنه خاص بالرجال دون النساء هي السبب وراء قلة الأوقاف النسائية، وكل ما تحتاج إليه المرأة الوعي الإداري والتنظيمي والقانوني، وحسب دراسة كمية للأوقاف الكبيرة في العالم الإسلامي، إن 25 في المائة من الأوقاف أنشأتها النساء، بل امتد دورها ليشمل، أيضاً، النظارة عليها، إذ عينت ناظرات من النساء على 14 في المائة من الأوقاف. وتوجد أوقاف ضخمة تحت نظارة المرأة، وهي من الأوقاف الناجحة عادة، وهذا يعود لإرادة الواقف إذا رغب في أن تقوم ابنته برعاية أوقافه أو أسندها لسيدة من طرفه، وهناك إدارات مؤسسية للأوقاف تحت إشراف سيدات، حيث إن من أهم شروط النظارة هي القدرة وليس من بينها الذكورة أو الأنوثة.
* هل القطاع الوقفي يدار بعقلية الفقيه أو الاقتصادي المستثمر؟
- في تصوري حتى وقت قريب ما زالت تدار بعقلية الفقيه، ولكي تنجح لا بد من عقلية استثمارية، بعيداً عن سوء الإدارة وقلة الأمانة، ولا بد أن نذكر أن بعض العقود الاستثمارية (كالحكر والاستبدال والإجارة الطويلة وغيرها) كان لها دور في انخفاض عوائد الأوقاف وهلاك أصولها على المدى الطويل.