أتت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعائلته إلى المملكة العربية السعودية كأولى محطات زيارته الخارجية منذ توليه منصبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية؛ ما أضفى على تلك الزيارة بُعدًا تاريخيًّا وثقلاً نوعيًّا لكل من الزائر والمستضيف. وقد امتازت تلك الزيارة بحفاوة الاستقبال المنظَّم؛ ما جعلها مدار تحليل الصحافة العالمية المشدوهة بدقة وسلاسة جدول الأعمال تنظيمًا ونوعًا.
ما أعنيه هنا كباحثة في فلسفة الفن هو إدراج معرض الفن السعودي المعاصر ضمن محاور تلك الزيارة محددة الأهداف, وعرضه في سياق التعريف بمميزات وخصائص الوطن، التي يتم عرضها عادة عند زيارة الوفود الخارجية للتعريف بثقافة البلد المستضيف؛ إذ جاء معرض الفن السعودي المعاصر في أبهى حلة منافسًا المعارض الفنية العالمية؛ ما استفزني بأسئلة عدة نبيلة القصد ومشروعة الغاية.
هل تمخض ذلك المعرض عن نضوج لحركة الفن المعاصر في السعودية؛ ما خوله أن يعرض كإحدى مميزات الوطن..؟؟ أم أن معد برنامج جدول الزيارة كان فطنًا بما يكفي لانتقاء ما يعكس قيمة الإنسان في المجتمعات المتقدمة؟!
هل ينسجم ذلك الاهتمام النوعي بالفن المعاصر مع ما يعانيه المجتمع السعودي من أمية فكرية (فنية؟!)، أم أن الأمر لا يعدو كونه استعراضًا قد عُني بانتقائه؟
في الواقع, لا يخفى على حصيف ما في ذلك التناقض من شطط، يجانب جوهر حقيقة اعتبار حركة الفن السعودي المعاصر. وإذا كنا نظن أن قوتنا «الشرائية» قادرة على استيراد الفن كسلعة ضمن نزعتنا الاستهلاكية المعاصرة (Consumerism) فنحن واهمون! إذ إن قدرتنا «الشرائية» التي نستورد من خلالها الطائرة والهاتف المحمول والملعقة لن تخلق لنا فهمًا ومعرفة بدور الفنون البصرية لوجود تلك الهوة السحيقة ذات الفارق القيمي والمعياري بين استيراد الفنون البصرية كمنتج استهلاكي وممارستها كأداة فكرية تجدد معرفتنا بالأشياء من حولنا، وتنمي قدرتنا على التحليل والتصنيف والإرشاد كلازمة حيوية ذات وقع على المدرك «المحسوس» وغير المدرك «المعنوي».
إن قدرتنا «الشرائية» في الواقع تخدعنا, فإذا ما حيدناها سنكتشف العور والضمور المعرفي (Cognitive Atrophy) الذي يكتنفنا في التعاطي مع آلة الفنون البصرية أحد أهم أفرع الفلسفة:
(المعرفة (Epistemology-(Logic-المنطق) (Ethics- الأخلاق) (Aesthetics-علم الجمال) (الماورائيات - (Metaphysics).
إن التعاطي مع آلة الفن البصري كمادة استعراض مترفة يعكس مدى استمرائنا لشعور النشوة اللحظية بدهشة الأشياء التي نصدقها ونزهو بها؛ لننال استحسان العقل الغربي الذي يمثل مقدمة الوعي الإنساني، والذي أحالنا لذرات صغيرة، تدور في فلك جرمه الأكبر.
أعلم جيدًا بأن ثقافة النقد في الكتابة العربية غائبة كأداة للمعرفة والبحث النزيه عن الحقيقة، ولكن ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو حسي التربوي بقصد النقد الذاتي الإيجابي؛ علّنا نترجل عن صهوة مكابرتنا، ونخلع أسمال أميتنا المعرفية، ونتحلى بشجاعة النقد (الفني) والاعتراف بمكامن الخلل.
فإما أن نصدق مع أنفسنا أولاً بمراجعة منهجيتنا في التعاطي مع الفنون البصرية المعاصرة مرورًا بإحياء دور المتحف والمعرض في التربية المجتمعية, أو فلندع حركة الفن المعاصر السعودية تحبو في مهدها، وتأخذ وقتها في التكون والتبلور على نحو مستفيض ومتريث ومسؤول حتى تستوي جوهرًا وسلوكًا عامًّا.
* «إن نصاب زكاة الإبداع يكمن في معرفة كنهه وممارسة آلته, فمن لا نصاب له كيف يخرج زكاته؟!».
** **
فاطمة عبدالله القحطاني - باحثة دكتوراه في فلسفة الفن - أستراليا