«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
صرح وزير المالية بأن الخطوات التي تقوم بها المملكة ليست تقشفاً، بل هي تركيز على رفع كفاءة الإنفاق.. وأوضح أن الحكومة ستركز بشكل خاص على دعم القوة الشرائية للمواطنين من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط من خلال (حساب المواطن)؛ لمساعدتهم في مواجهة مبادرات تصحيح أسعار الطاقة، وكذلك دعم القطاع الخاص للوصول به إلى مستهدفات رؤية 2030 لتصل مساهمته في الناتج المحلي إلى 65 في المائة.
بلا شك أن ترشيد الإنفاق قد حسن من كفاءة الإنفاق الحكومي الذي كان يستنفذ موارد حكومية تعد في حكم النادرة، وبلا شك أن المملكة كانت تحتاج لهذا الترشيد وتلك الكفاءة بشكل ملح ومنذ سنوات طويلة. كما أن هذا الترشيد سيحسن من «عجز / فائض» الموازنة لصالح الأجيال المقبلة. بل إن هذا الترشيد سيوجه موارد حكومية نادرة إلى مجالات وأنشطة أكثر احتياجاً. إلا أنه اقتصادياً وبأي شكل من الأشكال يعد هذا الترشيد نوعاً من السياسات التكمشية التي ترتبط في أحداث تأثيرات إيجابية لها بعنصر الزمن.
ولنسأل ما التأثيرات الإيجابية لسياسات التكميش؟ التكميش يقلص ويسيطر على التضخم المتفاقم، واليوم نرى معدلات تضخم لم تكن متوقعة من فترة طويلة، حيث تراجعت بشكل واضح من معدلات عالية للغاية، وخاصة مجموعات الغذاء والطاقة والإيجار والعقارات ككل.
وبالنسببة لتكميش القطاع العقاري خصوصاً التي تظهر جلياً في الإيجارات، نجد أنها تراجعت بفعل عناصر متعددة خلال الآونة الأخيرة، من أهمها تطبيق سياسات التوازن المالي، فضلاً عن ترشيد الانفاق التي حدث من كثير من دخول بعض الشرائح والفئات بلا وجه حق، وجميعها صبت في طريق تقليص معدلات الدخل لكثير من الطبقات والأنشطة وبالتالي قلصت من القدرة على شراء العقارات أو إيجارها، وهذا هو الأثر المحمود للترشيد. وبالطبع يوجد تأثير آخر في تراجع الطلب على العقارات وهو خروج بعض الأسر الوافدة التي لم تستطع التوازن مع السياسات التالية الجديدة بالمملكة. إلا أن السياسات التكمشية ترتبط بالزمن بقوة، حيث إن كل التكمش يؤدي إلى تقليص التضخم في البداية حتى مستويات معينة، حيث يدخل الاقتصاد في مرحلة ركود أولي ثم ركود ثانوي، ثم ينبغي عكس السياسة التي تطبقها الدولة من تكميش إلى توسع أو تحفيز، وإلا سيتحول الركود الثانوي إلى كساد، هذا ما تقوله النظرية الاقتصادية. لذلك، فإن الحكومة ممثلة في وزارة المالية حالياً ستسابق الزمن لانهاء كافة سياسات الترشيد ورفع كفاءة الانفاق للقضاء على التضخم وجني ثمار الترشيد وضمان عدم تحوله إلى ركود بالسوق المحلي.
عناصر التحفيز
السياسة الاقتصادية الأفضل وهي التي لمح لها وزير المالية، هي استخدام أدوات تحفيزية في ذات الوقت الذي يستخدم فيه الترشيد، وهنا تعتمد السياسة على «حساب المواطن» في إحداث الأثر التحفيزي الذي يمنع الوصول إلى أي درجات من الركود.
فلنقل أن كل ترشيد أو رفع كفاءة إنفاق سيؤدي إلى فقدان جزء من قوة الطلب، هنا الاقتصاد يحتاج إلى قوة تحفيز اضافية لا تقود إلى التضخم، ولكن تحفظ الاقتصاد من الهبوط والتراجع. فمع الترشيد سيتأثر القطاع الخاص والعارضون والمنتجون بشكل واضح مع الزمن، وينبغي معالجة هذه التأثيرات خلال فترة زمنية معينة، وإلا أن تلك المنتجات ومنتجيها يمكن أن تهاجر لأنها لا تبحث سوى وراء الربح وبمعدلات خاصة بها، وهذه المعدلات ترتبط بمعدلات طلب خاصة لا تقبل النزول عنها. وفي البداية نتحدث عن العرض والعارضين، ثم يمكن أن يصل الأمر إلى المستثمر والاستثمارات. إذن جل المعضلة التي ينبغي معالجتها هي أن نستمر في الترشيد مع تحفيز الطلب ليكون فوق مستويات معينة.
وبالنسبة لحساب المواطن، فتشير كافة التوقعات المنشورة إلى أن إجمالي البدلات النقدية التي ستصرف للأسر المستحقة قد تصل إلى 20 مليار ريال في عامها الأول، ثم ترتفع إلى 40 مليار ريال في العام الثاني، ويتوقع أن تصل إلى 60 - 70 مليار ريال في2020. وهنا سنجد نوعًا من التدرج في الإنفاق على حساب المواطن الذي يعد في السياسة هو أداة لتحفيز الطلب في ذات الوقت. وتعتقد «وحدة أبحاث الجزيرة» أن هذا التدرج في حساب مواطن هو تدرج مقصود ويرتبط بشكل رئيس بتصحيح أسعار الطاقة وبعض المنتجات والخدمات الأخرى الضرورية للمواطن. فهو سيعوض أجزاء من الاستقطاعات من دخولهم للإنفاق على زيادة هذه الخدمات والسلع، ويخلق قدرة طلب إضافية، تساعد العارضين والمنتجين والمستثمرين للتكيف مع هذه الفترة الزمنية للترشيد. وتتوقع «وحدة أبحاث الجزيرة» أن تنفق الدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة نحو 120 مليار ريال على حساب المواطن، وهي القيمة المخصصة في نفس الوقت لتحفيز الطلب وموازنة سياسة التكميش.