د.فهد نايف الطريسي
عندما حاول المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن توحيد الرأي والقرار والبلاد.. انبرت له الأصوات الرجعية لتوقف المسيرة نحو التحديث، لم تكن المواجهة سهلة خاصة عندما ادخل الملك عبدالعزيز بعض المخترعات الحديثة كالتلكس والهاتف والسيارة... الخ، كان على الملك أن يقف في مواجهة رفض الإخوان لهذا التحديث الذي كيفوه بحسب بدائيتهم كمحدثة وكل محدثة ضلالة وكل ضلالة في النار، كانت المواجهة منذ عام 1919 وحتى 1930.. لم يكترث الملك الصنديد بتشدد الإخوان ولا بما أشاعوه من تكفير لمن خالفهم في الرأي، بل قاوم كل هذه الأمواج من الرجعية بثبات قلب أسد.. فلنتخيل ماذا كان ليحدث لنا لو استسلم الملك لتلك الأصوات عقيمة الرؤى قصيرة النظر.
إن أفكار التجديد والتحديث والتطوير لا بد أن تواجه بحرس القديم البالي (الذي لا يمثل الشريعة الإسلامية بقدر ارتباطه بقناعاتهم وأيديولوجيات احزابهم)، لا بد أن تواجه بمن يقفون خلف جدار التاريخ، الذين يتجمدون خوفا من كل حادث ويحسبون كل صرخة تطوير عليهم، لقد جاء ولي العهد وهو شاب، وفقيه قانوني، وصاحب نظرة ترغب في التطوير والتجديد ونقل المملكة إلى مرحلة الدخول في العولمة ليس انقيادا لها وإنما قيادة لها، منذ أول بيان لسموه أدركت أن لا شيء سيبقى على حاله كما كان (وكتبت حينها مقالة عن المضامين القانونية في كلمة ولي ولي العهد).. نعم.. لا يمكن لمستنير مثل سموه أن يقبل بالصورة الجامدة المتجهمة التي كانت تسيطر عليها فئة ملقاة في غيابة جب الماضي. إن من يدرس القانون لا يمكن أن يتساوى بغيره، فالقانون يفتح آفاق العقل على عالم ضخم الاتساع، على حقوق الإنسان، على القواعد الآمرة والمكملة، على قوانين تنظم كل جوانب التفاعلات البشرية بدءًا من قوانين تنظيم السلوك الاجتماعي العام كالقانون الجنائي وانتهاء بالقوانين الاقتصادية وقوانين المهن والأعمال الحرة والقوانين التي تنظم المعاملات التجارية والمدنية.. الخ.. من يدرس القانون يعلم أن الإنسان لا يمكن أن يقف على رجل واحدة بثبات، ولا يمكن أن ينزل في نفس النهر مرتين كما قال هرقليطس.. فالحياة تدفق مستمر وأزلي نحو الأمام.. نحو المستقبل وليس تقهقرا نحو الماضي، نعم عندما قرأت كلمة سموه جاءني ذلك الإحساس المنتشي بأننا على أعقاب حقبة جديدة، وقد صدق حدسي تماما. فخلال الثلاثة أيام الماضية تواضعت المملكة على ما تواضعت عليه جميع دول العالم بأحقية المرأة في القيادة.. ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الخبر الذي كان مجرد تخيله شبه مستحيل.. جميع شباب الدول العربية غردوا وكتبوا منشورات على تويتر والفيس بوك تهنئ المرأة السعودية على هذا القرار المستحق الذي ما كان ليتم لولا أن سخر الله سبحانه وتعالى سمو ولي العهد لدعمه، وانبرى المشاركون من الدول العربية في الإشارة إلى التواريخ القديمة التي قادت فيها المرأة السيارة في دولهم المختلفة، واعتبر البعض أن هذا القرار وإن جاء متأخرا لكنه جاء ليعبر عن مرحلة جديدة وحياة جديدة للإنسان السعودي عموما والمرأة السعودية خصوصا، بل إن البعض قام بتحليل نتائج هذا القرار الاقتصادية باعتباره قرارا سيفتح فرص عمل جديدة لمشاركة المرأة السعوية في تنمية الاقتصاد الوطن. كما سيسهم القرار في تقليل الاعتماد على السائقين وتقليل التحويلات الخارجية.
ثم صدرت التوجيهات الملكية من لدن خادم الحرمين بإصدار نظام لمنع التحرش الجنسي، وذلك تأكيدا على ما جاء بديباجة قرار إتاحة قيادة المرأة بأن حماية المرأة هو دور الدولة الموكول لها.
إن الجميع في حالة انتشاء وغبطة، لأن قلوبنا قد دلف إليها الأمل بالتغيير لنصبح دولة متحضرة تنشر الاستنارة للعالم أجمع.
من هنا استغل هذه السانحة لشكر مليكنا خادم الحرمين الشريفين كما أرسل أمنياتي الخصبة بالتوفيق لسمو ولي العهد وأهمس في أذنه: ستواجه الديناصورات ولكنك ستنتصر عليها.. هذا ديدن العظماء.