أ.د.عثمان بن صالح العامر
المتفق عليه لدى متخذي القرار وصُنّاعه حساسية وصعوبة القرارات في القطاعات الخدمية خاصة قطاع التعليم وعلى وجه أخص العام منه؛ وذلك لأن ما يتخذ من قرارات تمس جميع شرائح المجتمع، وتطال مختلف الأعمار والفئات والأجناس، سواء أكانوا طلاباً أم طالبات، معلمين أو معلمات، مشرفين أو مشرفات، أولياء أمور وربات بيوت، رجال أمن ومرور، خدماً وسائقين سواء أكانوا في المدينة أم في المحافظة أو القرية والهجرة، وهؤلاء يمثلون أكثر من 85% على ما أظن، ولذا كان من الطبيعي - في نظري - أن يتحدث الكل وينقد الجميع بلا استثناء - كل بطريقته الخاصة وحسب المتاح أمامه من وسائل وما يتقنه ويملكه من أساليب- القرار الذي يعتقدون عدم فائدته وجدواه التربوية والتعليمية من وجهة نظرهم الخاصة، أو أنه سيضيف عليهم عبئا جديداً على ما هم فيه من أعباء يثقل كواهلهم، ويضعف عطاءهم في الميدان التربوي، ولا يأتي بجديد في مسار التحصيل الدراسي الذي هو في النهاية الهدف الذي يسعى لتحقيقه الجميع وينشده الكل، ومن هذا الباب جاء نقد قرار معالي وزير التعليم إضافة حصة النشاط مطلع هذا العام الدراسي الحالي، ولا يعني هذا أنني أبرر لوزارة التعليم قرارها، أو أنني مؤيدٌ لها فيما ذهبت إليه، ومعتقدٌ صواب ما تم، وجازمٌ بأنه يصب في مصلحة العملية التعليمية بشكل مباشر، بل على العكس من ذلك تماماً لأسباب عديدة ذكر جلها غيري من قبل، وفي أكثر من موطن ومكان، ولذا فقد كُفيت الحديث عنها والتعريج عليها في هذا المقال، ومن باب الشيء بالشيء يذكر وحتى لا تتكرر التجربة، أذكر هنا أن وزارة المعارف سابقاً - التعليم حالياً - قررت مادة التربية الوطنية عام 1417هـ دون منهج محدد وكتاب مقرر، مما جعل هناك اجتهادات فردية غير منضبطة في مختلف المدارس وفي جميع المراحل لتغطية منهج هذه المادة التي قيل عنها حينذاك إنها ولدت ناقصة، واستمر الوضع على هذه الحال سنتين تقريباً، بعد ذلك خرج كتاب لمادة التربية الوطنية، وهو عبارة عن مجموعة من المفردات والموضوعات كانت في مواد أخرى جمعت تحت مسمى «مادة التربية الوطنية»، ومع ذلك ما زالت المادة منذ إقرارها وحتى تاريخه على ضعفها وعجزها عن أداء رسالتها السامية وهدفها النبيل الذي أريد له أن يتحقق سلوكاً حياتياً يترسخ في ذهنية جميع طلاب التعليم العام أولاً فيتحول بعد ذلك إلى سجية وطبع يلازمهم في حياتهم العامة، كما أنني أذكر أيضا أن الجلسة الأخرة في لقاء قادة العمل التربوي بوزارة المعارف الذي انعقد في محافظة جدة تمت دعوة عدد من الطلاب المميزين للحديث عن تجربتهم في دراسة هذه المادة، وماذا يتطلعون أن تتضمن مفردات منهجها في المستقبل، فما كان منهم إلا أن أمطروا الوزارة بوابل من النقد على إقرار هذه المادة بهذه الصورة الهشة، حتى أن أحد الطلاب المشاركين في هذه الجلسة قال بكل صراحة وشفافية:» معالي الوزير، أتمنى إذا كبرت أن أجلس على كرسي الوزارة الذي أنت تشغله اليوم لأعالج كثيراً من القصور الذي تعاني منه وزارتك ومن بينها هذه المادة التي نعتبرها تضييعاً للوقت وإهداراً لمقدرات الوطن» فصفق الوزير وصفق الجميع لهذا الطالب معه.
المشهد يتكرر من جديد هذه الأيام، بل ربما كان إقرار مادة النشاط أشد من سابقه، خاصة أن فيه إضافة حصة جديدة على الجميع، وتأخير الخروج عن المعتاد السنوات الماضية دون مردود إيجابي يوازي التكلفة المضافة على الطالب والمعلم والهيئة الإدارية في المدرسة على حد سواء.
إنني شخصياً أعتقد أن ما كان يمارسه بعض المسئولين فيما مضى من جعل العربة قبل الحصان من أجل أن يضع صناع القرار السيادي أمام الأمر الواقع قد ولى زمنه وانتهى عهده، فنحن في عصر التخطيط الإستراتيجي المنبثق عن رؤية المملكة 2030 ، والقرار التشاوري مع فريق العمل ومن هم في الميدان التربوي، والتطبيق المتدرج، والدراسة التتابعية العلمية الرصينة - حين التطبيق المتدرج - للميدان التربوي الذي لا يمكن أن يكون نسقاً واحداً وصورة متماثلة كما هو معلوم، ومن ثم التوصل إلى نتائج واقعية دقيقة، والخروج بتوصيات يمكن أن تكون الركيزة الأساس للتغيير والتطوير في القطاع التعليمي الذي نتوق لتحققه في مدارسنا نحن أسرة التربية والتعليم وينشده وينتظره منا ولاة أمرنا حفظهم الله. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.