فضل بن سعد البوعينين
لم تكن العلاقة بين شركة سابك والهيئة الملكية للجبيل وينبع علاقة عابرة، تعتمد في أساسياتها على توفير حاضنة كفؤة لأنشطتها الصناعية، بقدر ما كانت علاقة استراتيجية وجودية، أسهمت في بناء قطاع البتروكيماويات السعودية من العدم، إذ أُنشئت مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان بقرار سياسي اقتصادي، يهدف إلى استغلال الغاز المصاحب للنفط، وتحويله إلى منتجات بتروكيماوية أولية بدلاً من حرقه في الهواء، وخلق قطاع صناعي جديد، يسهم في تنويع مصادر الاقتصاد، واستثمار مدخلات الإنتاج المتاحة للحصول على مخرجات أساسية، تدعم قطاع الصناعات التحويلية الذي كان جزءًا من الاستراتيجية الأولية.
شكَّلت سابك بداية الاستثمار الصناعي التنموي، ثم لحقت بها شركات عملاقة، تنوعت ملكيتها بين القطاعَين الخاص والعام، مستفيدة من البنية التحتية التي أبدعت في إنجازها الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
نجاح النموذج التنموي في المدينتين الصناعيتين عكس أداء إدارات الهيئة الملكية المتعاقبة، التي كان لها الفضل - بعد الله - في تحقيق الهدف، وتنفيذ الاستراتيجية التنموية بنجاح، إضافة إلى نجاح القطاع الصناعي، وعلى رأسه سابك، الذي دعم الاستراتيجية الصناعية؛ فحوَّل الجبيل وينبع إلى منطقتَي جذب استثماري من الدرجة الأولى.
قصة نجاح متكاملة، جمعت بين تنمية المدن الصناعية والشركات البتروكيماوية، شكلت سابك بذرتها الأولى التي أينعت وأثمرت فاستنسخت لتشكيل قطاع متكامل ومتنوع. قصة نجاح تعاقب على صياغتها أربعة ملوك، ودعمها وزراء أكفاء، وتولى تنفيذها رؤساء الهيئة الملكية وموظفوها ومجالس إدارة سابك ورؤساؤها التنفيذيون ومستثمرون سعوديون، كانوا على قدر المسؤولية.
اليوم تدخل سابك مرحلة جديدة من الفصل الرئاسي في مجلس إدارتها عن رئاسة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، بعد موافقة مجلس الوزراء على أن يكون تعيين أعضاء مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» الذين يمثلون الحكومة - بمن فيهم رئيس المجلس ونائبه - من خلال الجمعية العامة وفقًا لأحكام نظام الشركات. أحسب أن قرار مجلس الوزراء ارتبط بشكل مباشر بتحقيق تنافسية وعدالة قطاع البتروكيماويات، الذي اكتملت مرحلة بنائه، وأصبح قطاعًا مستقلاً، تحتدم فيه المنافسة بين شركاته المتعددة، وفي مقدمها شركة سابك. وإذا استدعت مرحلة البناء متانة العلاقة التنظيمية بين الهيئة الملكية وسابك فمصلحة المرحلة الحالية تقتضي التعامل معها باستقلالية تامة، وإن سيطرت الحكومة على النسبة الأكبر من أسهمهما.
شكَّل خروج الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان عن رئاسة مجلس إدارة سابك نهاية مرحلة مثمرة في العلاقة التنموية التنظيمية بين المدن الصناعية وواحدة من كبرى الشركات البتروكيماوية في العالم، مرحلة البناء والتوسع والنهوض بقطاع لم يكن ليوجَد لولا الله، ثم حكمة القيادة وجهود المخلصين من أبناء الوطن. عمل الأمير سعود بن ثنيان وفريق عمله على تطوير المدينتين الصناعيتين من جهة، ودعم سابك من جهة أخرى، التي حققت نموًّا كبيرًا خلال فترة رئاسته مجلس إدارتها؛ فارتفعت أصولها من 125 مليار ريال العام 2004 لتصل إلى 316 مليار ريال حاليًا، فضلاً عن احتلالها المركز الأول عالميًّا في الأرباح التشغيلية وإجمالي الأصول وصافي الربح، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا الله أولاً، ثم وجود القاعدة البشرية الوطنية التي نجحت في تحقيق رؤية مجلس الإدارة، وتطلعات الوطن. نشطت سابك بشكل أكبر، وخلال 14 عامًا مضت، في جانب المسؤولية الاجتماعية، وهو دور تغفل عنه كثير من الشركات الوطنية. مليارات الريالات تم تخصيصها للأعمال المجتمعية، ومن أهمها الشراكات الاستراتيجية مع الجامعات السعودية، وبناء المعاهد، وتحفيز المبتكرين، وتقديم الجوائز المالية الضخمة لهم، وبناء الأوقاف الخيرية والمجمعات السكنية الخيرية.. وغيرها من مناشط مجتمعية، كان مصدرها مجلس الإدارة.
وعن سابك يؤكد الأمير سعود أنها من المشاريع العظيمة التي «أثبتت نجاحاتها المتميزة بُعد نظر القيادة، وحُسن إدارتها للموارد، كما أثبتت قدرة الإنسان السعودي على الإبداع وصناعة الإنجاز، وعزمه على ترجمة الطموحات إلى واقع ملموس ومنجز حاضر».
سابك والهيئة الملكية للجبيل وينبع توأمة نجاح، كتب تاريخها وحاضرها أربعة ملوك، ورؤساء مجالس إدارات متعاقبة، ورؤساء تنفيذيون، وموظفون أثبتوا قدرة الشباب السعودي على البناء والتطوير والابتكار. كان لكل منهم بصمة تستوجب الإشادة والتقدير والتوثيق. فشكرًا لكل من وضع لبنة في تاريخ شركة سابك وصناعة البتروكيماويات وتنمية الجبيل وينبع، وشكرًا لسمو الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان على كل ما قدَّم وحقق من نجاحات، سُجِّلت باسم الوطن.