د.علي القرني
دراسة الإعلام في العالم العربي تضرب بعمقها إلى حوالي مائة عام تقريبا، حيث بدأت من جمهورية مصر العربية، ثم امتدت إلى باقي أرجاء العالم العربي، وتوجد حاليا مئات أقسام الإعلام والكليات التي تدرس تخصصات الإعلام المختلفة. وتخرج من هذه الأقسام والكليات مئات الألوف من الطلاب والطالبات، ودرس في هذه الأقسام عشرات الألوف من أساتذة الإعلام، وهم خريجو جامعات أمريكية وأوروبية وعربية. وعلى الرغم من هذا العمق التاريخي للتخصص على مستوى التدريس والبحث، إلا أننا لا نزال في مرحلة ابتدائية إذا قارنا أنفسنا بالمدارس النظرية الموجودة في العالم (المدرسة الأمريكية، المدرسة الإنجليزية، المدرسة الألمانية، والمدرسة الفرنسية).
وإذا نظرنا بكل موضوعية إلى مناهجنا التدريسية وبشكل عام ودون تخصيص لجهة أكاديمية معينة، سنجد أن هناك غيابا بل فراغ كبير في وجود أي مدرسة إعلامية حقيقية عن الحالة العربية في مجال الإعلام. ولا زلنا رهناء لأزمتين أثرا على مسيرة الإعلام الأكاديمي: (1) الالتصاق بالمهنية؛ (2) التقليد للمدارس الغربية. ومن هنا أرى أن الحاجة كبيرة وفي هذه اللحظة التاريخية من الإعلام العربي أن نصل إلى مفهوم تكوين مدرسة إعلامية مجتمعية عربية كبرى. وهناك محاولات لا شك لإيجاد مدرسة إسلامية (قيمية) عمل عليها الدكتور عبدالرحمن عزي ولها روادها ومؤيدوها، ولكن لم تنتشر كثيرا وبقيت رهينة بعض أساتذة من الجزائر وبعض الدوريات قليلة الانتشار.
إن تعليم الإعلام في العالم العربي بدأ يأخذ مكانته المرموقة، والمملكة العربية السعودية إحدى الدول المتقدمة في هذا المجال، لما تمتلكه من كوادر تدريسية على مستوى عال، ومن مختلف الجنسيات العربية. وهذا من شأنه أن يخلق بيئة مناسبة للانطلاق نحو آفاق جديدة من تأسيس معرفة حقيقية في الإعلام. وللتوضيح فالسؤال المهنية ليس هو الأساس في هذا التوجه، بل إن الأهم والأساس هو السؤال النظري، أو ما يمكن أن نطلق عليه فلسفة الإعلام. ولا بد أن نصل أولا إلى استيعاب مقاربات فلسفية من المدارس الغربية. ولا أقصد نظريات الاتصال والإعلام بل أقصد ما وراء هذه النظريات، وبمعنى آخر النظريات الكبرى التي تأسست عليها هذه النظريات.
وغياب نظرية كبرى عن المجتمع العربي أدى طبعا إلى غياب نظريات متفرعة منها في الإعلام والاتصال وتخصصات إنسانية واجتماعية أخرى، ولهذا فإن هذا التوجه الكبير في إيجاد نظرية كبرى تفسر لنا تاريخ العرب وتحدد أطره وربما تستشرف مستقبله، وتؤثر على الشأن العام في المجتمعات العربية هو ما ننادي له في هذه المرحلة,.
وخارج المدارس الأربع التي أشرنا اليها (الأمريكية، الإنجليزية، الألمانية والفرنسية) كل شي آخر هو تقليد ومرهون باستنساخ واضح كما هو في أستراليا وآسيا وإفريقيا والعالم العربي. ولم تنشأ أي مدرسة حقيقية تخلق رؤية جديدة وتفسر الحدث الإعلامي. ومع هذه الوضعية فإن أي نظرية كبرى تضع لها أسسها الإنتولوجية والابتسمولوجية التي تساعد على معرفة الحقيقة والوقع، وتضع مناهجها المناسبة للوصول إلى تلك النتائج. وفي ظل هذا الغياب الموحش، فإن الحاجة تتطلب أن تكون هناك لقاءات منتظمة بين أساتذة الإعلام في العالم العربي لمناقشة هكذا موضوع وهكذا توجه.
ولا أبوح سرا إذا قلت إن قسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد وبصفات أعضائه الشخصية يعمل على إيجاد بيئة مناسبة لدائرة circle علمية تضع الأساس لمثل هذا التحول الكبير في مفهوم النظرية الإعلامية في الوطن العربي. وهذا المشروع هو مشروع طويل الأمد، ولكن لابد أن تكون هناك خطوة أولى نبدأ بها نحو تحقيق مثل الهدف الكبير..