محمد المهنا أبا الخيل
يكثر الحديث في عصرنا هذا حول الحقوق، حقوق الإنسان، حقوق الطفل، حقوق المرأة، الحقوق المسلوبة للشعوب المضطهدة، وأيضا حقوق الطبع وحقوق الملكية الفكرية، وكل الحقوق الأخرى. فماهو الحق في جوهره الفلسفي، وهنا أنا لا أعني الحق المطلق وهو الله سبحانه وتعالى، ولكن أعني المفهوم للحيازة الضمنية والتي تتحق للإنسان بالولادة أو الانتماء أو الجنس والقومية واللغة أو المكتسبة بإرث أو فعل ما مما هو مشروع للاكتساب.
الحق في مضمونه الفلسفي هو شعور لدى المدعي به بملكية مطلقة في التصرف في وعاء الحق الذي قد يكون ماديا في صورة مقتنيات مادية أو احتكارات فكرية ومنتجات حسية أو تصرفات وسلوكيات، وصاحب الادعاء بالحق يجتهد في حماية وصيانة ذلك الحق من خلال التفاوض المستدام مع المجتمع المحيط به في صورة جماعات أو أفراد للحصول على رضا ذلك المجتمع والقبول بحيازة ذلك الحق، لذا فتحقيق الحق يستلزم اتفاقا اجتماعيا حول الإقرار بالحق لفرد بالمجتمع أو أفراد في حال كان الحق مشاعا بينهم. هذه الديناميكية في تحقيق الحق والتي قد تحدث بصورة عدلية اجتماعية من خلال الأنظمة والقوانين والقضاء أو تكون شعورية ضمنية في العقد الاجتماعي، تعتمد معايير سائدة في مجتمع محدد قد لا تتوافق مع معايير مجتمع آخر، لذا فآلية ضمان الحقوق تختلف من مجتمع لآخر.
معظم الصراعات حول الحقوق في مختلف بلاد العالم ناتجة عن الاختلاف في المفاهيم التي تحدد الحقوق وأهليتها، وهذا لا يعني أنه ليس هناك تعديات قسرية على الحقوق بفعل التسلط والظلم، ولكن حتى أقسى الناس وأجرأهم على الظلم لابد أن يجد في مفاهيمه ما يبرر تعدياته من منطلق حقوقي وذلك حتى يحقق الاستقرار في ضميره، لذا نجد في التاريخ أن أكبر المظالم والتي اقترفها أعتى الطغاة كان لها مبررات مفترضة في حال اقترافها بدعوى الحقوق، فالطاغية يسحق من يعترض تسلطه بحجة أن الحق في السلطة يمنحه تلك الصلاحية والمنتصر في الحروب يستعبد المهزومين بحجة أن الانتصار منحه حق تملك المهزومين والتصرف في حياتهم بصورة حقوقية، ولذا نجد أن الشرائع التاريخية القديمة وضعت أسسا أخلاقية تبرر تلك التصرفات وتحمي الاعتقاد بها.
في العصر الحديث وبعد تطور مفاهيم الحقوق في المجتمعات المختلفة والتي باتت شبه موحدة نتيجة التوسعات في المعتقدات الدينية السائد والمتمثلة في (5) أديان رئيسة يعتقد بها مالايقل عن (80%) من سكان العالم، والتوجه العالمي نحو وضع معايير موحدة لحيازة وصيانة الحقوق الضمنية والمكتسبة على حد سواء، بات العالم اليوم أقل قلقا وأقل حروبا وأقل ظلما وأقرب للتعاون والتعامل من منطلق وضع مفاهيم مشتركة للحقوق، حتى أن المجتمعات في ممارساتها الحياتية بات أفرادها أكثر شعور بالحماية لحقوقهم في داخل المجتمع أو عند الانتقال بين المجتمعات، ومع ذلك لازال في العالم مناطق لم تتأصل فيها مفاهيم مشتركة حول الحقوق، أو لازالت تحكم بمفاهيم تبريرية حقوقية للظلم و القسوة.
في منطقة الشرق الأوسط لا زالت مفاهيم الحقوق مقيدة بموروثات عقائدية متضادة بحسب الخلفيات الدينية للأديان والمذاهب السائدة في المنطقة، فالصراع العربي الإسرائيلي قائم على خلاف حقوقي من قواعد تراثية مختلفة حيث يدعي الصهاينة بحق وعد إلهي لهم بالتمكين من أرض فلسطين، ويدعي العرب بأن حقوق الفلسطينيين استلبت منهم بحجة واهية وتعد دموي اعتمد على التسلط والظلم و تزوير التاريخ، ومن هذا الصراع الحقوقي تفتقت حجج تبريرية كل منها تعتمد على منطلقات أخلاقية لدى ذويها، وهذا الخلاف الحقوقي البارز في هذه المنطقة يجاوره خلافات حقوقية أصغر حول حقوق فردية أو فئوية مستلبة من قبل فئات أقدر أو سلطات أكثر قدرة وتلك الاستلابات أيضا مبررة دائماً بمنطلقات أخلاقية أو عقدية.
لم يستقر العالم بعد حروب طاحنة ومظالمة طاغية، إلا بعد التحرر من قيد مناقشة وجدال المفاهيم المؤسسة للحقوق، ولم يتحقق الأمن للمجتمعات إلا بعد صياغة قوانين حفظ الحقوق بصورة عدلية وعادلة وخالية من الإجحاف في حقوق الأقليات ومنع لتسلط بالقوة والسلطة، وفي بلادنا حبانا الله بقيادة لازالت مستديمة العزم والإصرار على حفظ الحقوق ووضع الأسس لحيازتها وحمايتها من منطلقات شرعية ربانية، ونحن اليوم نعاصر مزيداً من تلك التي ستجعل من بلادنا واحة سلام وعدل في المنطقة، لذا علينا ألا نستكين ونستمر في دعم إقرار مزيد من الحقوق المختلفة للفئات والأفراد حتى ندعم الاستقرار والوحدة الاجتماعية والتي هي ما يحمي كياننا الوطني من مكائد وتعديات الأعداء.