د. محمد عبدالله الخازم
التأمين الصحي له علاقة بعدة أطراف، بشكل مبسط هي (1) المريض، المستفيد المباشر من الخدمة الطبية؛ و (2) مقدم الخدمة العلاجية أو الصحية، المتعامل مباشرة مع المريض؛ و(3) شركة التأمين المسؤول عن تكاليف الخدمة نيابة عن الأفراد المؤمن عليهم؛ و(4) الجهة الرقابية و(5) الجهة التشريعية وغالباً تدمج الرقابية والتشريعية في جهة واحدة.
ولأنه يوجد تعارض كبير في المصالح بين أضلاع العملية التأمينية المشار إليها أعلاه تتسم الأنظمة التأمينية في هذا الشأن بالفصل التام بينها ووضع تراتبية واضحة للتعامل فيما بينها. المريض رغم كونه محور العملية الصحية، إلى أنه الحلقة الاضعف بين شركات التأمين ومقدمي الخدمة الصحية. شركات التأمين يهمها تقليص ماتصرفه على المريض وزيادة ارباحها بتقليص مكونات البوليصة الـتامينية، برفع اسعار التأمين وبالضغط على مقدم الخدمة لتقديم حد أدنى من الخدمات. مقدم الخدمة نظرياً هو الأحرص على المريض بدافع مهني وأخلاقي، ولكنه بدافع ربحي قد يبالغ في الإجراءات العلاجية والفحوصات اللازمة. وتحت ضغط شركات التأمين وضعف الجانب الرقابي والتشريعي قد يجد نفسه يساير متطلبات شركات التأمين ولو كان على حساب جودة الخدمة ومتطلباتها، كأن يوقف نوعاً من العلاج واختيار نوع آخر وفق متطلبات تغطيه شركة التأمين. الحلقة الأقوى التي يفترض أن تضبط العملية التأمينية بين المريض/ المستفيد ومقدم الخدمة وشركة التأمين هي الجهة التشريعية أو المنظمة والرقابية التي تتأكد من تطبيق الأنظمة وعدم الإضرار بمصالح المستفيد الأساسي، المريض.
نظام التأمين الصحي في المملكة لم يخرج عن هذا الإطار نظرياً بتأسيس مجلس التأمين الصحي، لكن ما يحدث في الواقع هو تداخل الصلاحيات وعدم استيعاب فكرة تضارب المصالح ومنع كل ما يؤدي لاستغلال الثغرات في هذا الشأن. مجلس التأمين الصحي يرأسة الوزير ووزارة الصحة تشارك بعض مستشفياتها في تقديم العلاج عن طريق التأمين الصحي وبالتالي انتفت حياديتها ولم يعد هناك استقلالية تامة وحقيقية للمجلس التنظيمي التشريعي عن مقدمي الخدمة الصحية، وكان الأجدر استقلالية مجلس الخدمات الصحية تماماً طالما وزارة الصحة تقدم الخدمة وفق نظام التأمين الصحي، درءاً لتعريض مصالح المريض للخطر مقابل مصالح الأطراف الأخرى.
ضعف المجلس وتداخل المصالح أبرز مؤخراً ممارسات مقلقة جداً ألا وهي تحول شركة التأمين إلى مقدم للخدمة الصحية مما ينفي استقلالية مقدم الخدمة عن شركة التأمينية وتعاضد الجهتين لتنمية أرباحهم ومصالحهم على حساب المريض. بعضهم يدافع بأن الشركات لم تدخل في هذه الممارسة وإنما إدارييها وكبار مساهميها يدخلون بصفتهم الاستثمارية وهذا كلام مردود لأن العبرة بالمضمون والنتيجة وليس بالشكل الذي يستغل الثغرات القانونية.