محمد سليمان العنقري
فتحت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- لروسيا آفاقًا واسعة وجديدة للشراكة والتعاون بين الدولتين حيث وقعت اتفاقيات اقتصادية وعسكرية عديدة بينهما إضافة للقاءات بين ممثلي قطاعي الأعمال بالدولتين التي قد ينجم عنها عقود وصفقات مستقبلاً ترفع من حجم الاستثمارات في الدولتين وكذلك حجم التبادل التجاري وفقًا للفرص المتاحة.
فقد بدأت التهيئة لهذه الزيارة التاريخية منذ فترة طويلة وتم خلالها تحديد نقاط الالتقاء وأين يمكن بناء المصالح بين المملكة وروسيا وكانت المقدمة من خلال اتفاق منتجي النفط من داخل «أوبك» بقيادة المملكة ومن خارجها «المستقلين» بقيادة روسيا على خفض الإنتاج الذي أثمر عن التزام كل المنتجين بكمية الخفض المحددة التي أدت إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات ما فوق 50 دولارًا منذ العام الماضي بعد أن شهدت هبوطًا حادًا لدون 30 دولارًا للبرميل، لكن المرحلة الحالية تشهد تحولاً إستراتيجيًا في العلاقة خصوصًا الاقتصادية بينهما مع التوسع بالشراكة في مشروعات بعد أن تم تأسيس صندوق استثماري مشترك عام 2015 م بعشرة مليارات دولار ليتم تفعيله بوتيرة أسرع حاليًا إضافة لتوقيع عقود عديدة شملت قطاعات النفط والتعاون باستثمارات الطاقة والبتروكيماويات وكذلك تأسيس شركة للاستثمار بالبنية التحتية بروسيا التي تتوقع أن يصل حجم إنفاقها عليها نحو تريليون دولار مما يعني أن فرصًا عديدة ستولد من هذا الحجم الضخم لاستثمارات روسيا ببنيتها التحتية، إضافة إلى اتفاق صندوق الاستثمارات العامة و»أرامكو» وصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي على تأسيس منصة لإيجاد فرص استثمارية في قطاع خدمات الطاقة في روسيا مع إمكانية توطين بعض النشاطات في السعودية وكذلك تأسيس صندوق الاستثمارات العامة والاستثمارات المباشرة الروسي منصة مشتركة للاستثمار في شركات التكنولوجيا الروسية حيث يتوقع أن يصل حجم الاستثمار إلى مليار دولار أمريكي.
فروسيا دولة من أكبر عشرة اقتصاديات عالميًا بحجم ناتج محلي يفوق تريليوني دولار سنويًا وتمتلك أكبر احتياطيات من الثروات الطبيعية فهي الأولى بالغاز الطبيعي والثامنة في احتياطي النفط وتمتلك عديدًا من المعادن، كما أن مساحتها تمثل 12 في المائة من مساحة الكرة الأرضية الماهولة بالسكان وفيها 25 في المائة من المياه العذبة في العالم وتعد ثالث مصدر عالميًا للحبوب وعدد سكانها يفوق 145 مليون نسمة وارتفعت نسبة الطبقة المتوسطة فيها منذ عام 2000 إلى وقتنا الحالي إلى 55 في المائة بعد أن كانت قبل ذلك دون 20 في المائة وفق بعض الاحصاءات وبات اقتصادها حرًا بعد عقود من الاقتصاد الاشتراكي وهي من أهم مصنعي الأسلحة في العالم ولديها مراكز بحثية ضخمة في مجالات الفضاء والطاقة الذرية.
فكل هذه المعطيات إضافة إلى أهمية روسيا كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي تجعل منها شريكًا مهمًا للمملكة خصوصًا بالشق الاقتصادي، ففي السابق كانت الدول إذا اختلفت بملف أو قضية معينة فإن ذلك من شأنه تعطيل العلاقة والمصالح ببقية الملفات التي تشكل أهمية لتلك الدول لكن المملكة ومع تسارع التغيرات في العالم وما تشكله من تحديات خصوصًا في السنوات القليلة الماضية وبكافة المجالات السياسية والاقتصادية فقد أخذت تطورًا من علاقاتها مع دول مهمة وكبرى لا ترتقي العلاقات معها لما لها من أهمية وبما يمكن تسميته إعادة تعريف المصالح فمن خلال تعزيز ما يمكن تطويره من علاقات يمكن أن يحقق تفاهمًا مع تلك الدول بالملفات التي يختلفان فيها بوجهات النظر وهو ما يمكن اعتباره تعاونًا وشراكة نوعية للمملكة مع كافة الأقطاب الدولية الكبرى ومن أهمها روسيا التي تدرك أهمية وثقل المملكة إقليميًا ودوليًا والدولتان من ضمن مجموعة العشرين ويدركان أهمية التعاون بل والشراكة الاقتصادية الفاعلة بينهما بمجالات الطاقة على وجه الخصوص.
الزيارة تاريخية وحدث عالمي بارز وتحمل معها مرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية تلبي مصالح الطرفين فالمملكة تفتح الباب لروسيا للشراكة بتحقيق أهداف رؤية 2030 م خصوصًا بمجالات توطين الصناعات وكذلك البحث العلمي وتكنولوجيا الطاقة المتجددة وعلوم الفضاء والصناعات التعدينية ولروسيا مصلحة كبرى أن تكون منفتحة على العالم اقتصاديًا ويعد سوق المملكة الأكبر بالشرق الأوسط إضافة للاستثمارات المتوقعة بين القطاع الخاص في الدولتين وما تم توقيعه من اتفاقيات رسمية سيكون لها أثر كبير بتسارع تطور العلاقات الإيجابي بينهما وبما سينعكس على العالمين العربي والإسلامي إيجابًا.