هدى بنت فهد المعجل
معظم تعريفات الذكاء تتطرّق للقدرة، فالذكاء مفهوم غامض صعب التحديد على نحو دقيق ذلك لأنه صفة وليس كينونة، ولأنه حصيلة خبرات للفرد تعلمية متراكمة مع سلسلة مراحل النمو، ويرجع غموضه إلى تعدُّد المعاني المرتبطة بالذكاء، لكن برغم ذلك هناك قدرات تسود في أغلب تعريفات الذكاء: القدرة على التفكير المجرّد، على التعلُّم، على حل المشكلات، على التكيف والارتباط. حاول ستودارد جمع هذه القدرات وبالتالي صياغة تعريف للذكاء، وصل به إلى تضمين عوامل في ذلك التعريف هي: الصعوبة، التعقيد، التجريد، الاقتصاد، التكيف الهادف، القيمة الاجتماعية، الابتكار، تركيز الطاقة، مقاومة القوى الانفعالية.
واجه العلماء مشكلة ما إذا كان الذكاء عبارة عن قدرة عقلية واحدة عامة، أم عدة قدرات مستقلة؟ وكانت للإجابة على هذا السؤال من قِبل العلماء اتجاهات متعدّدة، اتجاه [سبيرمان]، وقد استخدم تقنيات التحليل العاملي في اختبار الطلاب انتهى إلى أنّ النشاط العقلي يتأثر بعاملين: عام ويريد بها طاقة عقلية عامة تتضمّن كافة النشاطات العقلية للفرد، بينما عامل الخاص مهام خاصة محددة بقدرات معيّنة.
في حين [تورندايك] يرى أنّ الذكاء يتوقف على نوعية الوصلات العصبية للفرد، وبناءً عليه تكون الفروق الفردية، وهي فروق فطرية. وقد رفض [ثورستون] فكرة سبيرمان وقال بوجود سبع قدرات عقلية أولية هي: المكانية، العددية، اللفظية، الطلاقة اللفظية، التذكُّر، الاستدلال الاستقرائي، الإدراكية، وتفوُّق شخص في إحداها لا يعني تفوُّقه في الأخرى. أما [جيلفورد] فقد تبنّى نظرية أنّ الذكاء بنية معقّدة ثلاثية الأبعاد عندما أتوا لقياس الذكاء وجدوا أنه ليس أمراً سهلاً.
من أكثر اختبارات الذكاء شيوعاً وانتشاراً اختبار ستانفور - بينيه حيث يتضمّن عشرين مجموعة من الاختبارات، ومنها اختبارات وكسلر للأطفال والراشدين. علماً بأنّ أغلب اختبارات الذكاء وضعت لقياس القدرة العقلية للتحصيل الدراسي، وبالتالي فالحذر مطلوب عن إجراء تلك الاختبارات وعدم الاعتماد عليها تماماً. ذلك لأنّ الذكاء غير ثابت وإلاّ ما احتجنا إلى تطويره وتحسينه. وتتدخّل عوامل في تحسينه وزيادته مثل استقلال الشخص والتنافس والقدرة على التكيُّف مع المشكلات، كما ويتدخّل الوضع الاقتصادي والتعليمي للوالدين في زيادة مستوى الذكاء لدى الأطفال.
كانت جهود الباحثين حثيثة في معرفة أثر الوراثة في الذكاء عندما بدأت من عام 1869م بعد صدر كتاب جولتون «العبقرية الوراثية»، أشار فيه إلى الارتباط بين ذكاء الأطفال وذكاء آبائهم، وأنّ الذكاء محدّد جزئياً بالوراثة، فـ الوراثة الجيدة ترتبط بالبيئة الجيدة، والوراثة السيئة ترتبط بالبيئة السيئة، وبالتالي قامت دراسات على التوائم المتماثلة والتوائم المتشابهة والإخوة غير التوائم، إذا نشئوا في بيئة واحدة، وإذا نشئوا في بيئات مختلفة، اتضح أنّ قيم معامل الوراثة بين التوائم المتماثلة أعلى من التوائم المتشابهة وبين الإخوة غير التوائم.
وبالنسبة للبيئة فإنّ البيئة غير المشجعة لا تمنح الأطفال دافعية لإثارة المهارات العقلية، وبالتالي الإخفاق في اختبارات الذكاء بل والتراجع كلما استمرت البيئة في فقرها من ناحية الإثارة، التراجع الذي يؤثر في نمو الذكاء لدى الأطفال حتى يبلغ مقدار الأثر التراكمي لتأثير البيئة 10 درجات خلال سنواته الأربع الأولى، بحسب بلوم Bloom,1964 ، وقد يرتفع إلى 20 درجة في السنة السابعة عشرة، في حين يتوقع عالِم الوراثة سكار - سالاباتك Scarr - Salapatek1975 ارتفاع المقدار إلى 25 درجة.
فشروط البيئة كلما تحسّنت ازداد معدّل الذكاء لدى الفرد بناءً على دراسات قام بها سكيلز على 25 طفلاً لمدة ثلاثين سنة، وأخرى قام بها هبر وزملاؤه على أطفال منحدرين من أمهات سود يعشن في بيئات سيئة اجتماعياً بمستوى ذكاء منخفض عن 75 درجة، فكلما كان التفاعل مستمراً بين البيئة والوراثة تدخل ذلك في زيادة مستوى الذكاء، لكن للبيئة الدور الرئيسي، وبالتالي الحاجة ماسة للاعتناء بالبيئة التعليمية وتحسين شروطها وأوضاعها. بالتالي لا ينصح العلماء في إجراء اختبارات ذكاء لطلاب المدارس والعلّة تكمن في استخدام الاختبار في المدارس، ربما بسبب سوء فهم بعض المعلمين لدرجات الذكاء، وبالتالي يعتمدون عليها في التنبؤ بمستوى تحصيل الطالب، متهاونين في مسألة تحسين الشروط التعليمية اعتماداً على عوامل البيئة المؤثرة في رفع المستوى.