عروبة المنيف
ما أن سُمح بتشريع باب مقود السيارة أمام الجنس الناعم، حتى توالت علينا قرارات أخرى داعمة ومساندة له، كالقرار الملكي القاضي بإعداد قانون لمكافحة التحرش الذي ظل حبيس أدراج الجهات التشريعية فترات طويلة، وتعرض لسجالات عدة، ولكن بوتيرة أقل من قضية السماح للمرأة بقيادة السيارة، وفي النهاية نكرر ونقول إن عصر تمكين المرأة قادم، وهو من أبسط حقوقها كإنسان متكامل.
إن العوائد الاقتصادية والاجتماعية لقرار القيادة لا تحصى وتتداخل فيما بينها ولا مجال لحصرها في مقال، ولكن سأستعرض بعضاً منها. فما يخص سوق العمل، تشكّل النساء في الوقت الحالي ما نسبته 16 في المائة من الأيدي العاملة السعودة، والمتوقع أن ترتفع تلك النسبة بشكل ملحوظ بعد ذلك القرار، فقد أثبتت الدراسات أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم مشاركة المرأة السعودية في التنمية الاقتصادية بشكل مرضٍ هو عدم السماح لها بقيادة السيارة، ومن المتوقع تخريج ما يقارب الـ792.8 ألف طالبة في العام المقبل 2018، حيث تشكل الفتيات 49.6 في المائة من نسبة المتخرجين من الجامعات، والمتوقع أن جزءاً كبيراً من الخريجات سيدخلن سوق العمل، فلو أن واحدة من كل أربع خريجات قررت امتلاك سيارة، فسيرفع ذلك من سوق الطلب الراكد على السيارات إلى 198.2 ألف سيارة سنوياً، وفي المقابل سينشط القطاع المصرفي لتمويل ذلك الطلب المتزايد على السيارات، وستنشط أسواق جديدة أخرى لتأهيل النساء على القيادة كمراكز تعليم وتدريب القيادة، وسينتعش ويزدهر سوق التأمين على السيارات، وستجني الدولة إيرادات خاصة باستخراج رخص القيادة للنساء وستزيد الفرص الوظيفية للنساء في الأمن العام والمرور وشركات كتابة تقارير أضرار الحوادث، وستنتعش سوق توظيف النساء في الليموزين والتطبيقات الأخرى، كأوبر وكريم، ما يرفع بالنهاية من نسبة مشاركة المرأة في التنمية بشكل عام.
أما فيما يخص الآثار لاجتماعية، فتحضرني بعضاً منها؛ كالحفاظ على خصوصية المنزل وعلى الصحة النفسية والجسدية للأبناء والبنات، وسينخفض معدل الجرائم والسرقات، حيث سيغادر البلد عدد كبير من السائقين، وستنخفض نسبة الحوادث المرورية، فالسائق لن يحرص على سيارة كفيله كحرص السائقة على سيارتها، وتصريح رئيس هيئة النقل العام المتعلق بتخصيص بعض قطاعات النقل وقصرها على النساء مثل نقل الطالبات والمعلمات يعتبر كذلك نقلة نوعية في مجال النقل، حيث من المتوقع أن تنخفض كميات الدم المسفوح على الطرقات من دماء معلمات عانين الأمرّين وخسرت الكثيرات حياتهن نتيجة تهور السائقين واستهتارهم بالأرواح، تلك الخطوة ستؤدي إلى نتائج اقتصادية إيجابية أخرى كخفض خسائر شركات التأمين، وخفض تهالك البنية التحتية والمرافق العامة لحرص المرأة على القيادة السليمة وعلى منجزات وطنها.
تتداخل العوائد الاقتصادية والاجتماعية لقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإعطاء فترة عشرة أشهر لتدشين ذلك الحدث، هي مدة كافية لإجراء الترتيبات القانونية والإدارية اللازمة لتجهيز البنية التحتية المناسبة، وعلينا ألا نستهين بالحملات التوعوية التثقيفية التي تسبق ذلك الحدث وأهميتها في تأهيل المجتمع لاستقبال النساء بمركباتهن الاستقبال اللائق بهن، متوجات بالثقة الملكية وبالمباركة الشعبية أيضاً.