د. محمد بن يحيى الفال
النجاح يصنع النجاح هي مقولة مثبتة ومتفق عليها أين ما صوب المرء وجهه في شتى أركان المعمورة وفي كل الثقافات باختلافاتها وتبايناتها، وعليه فإن هذه المقولة تصب تمامًا فيما صدر من أمر سامٍ كريم قبل أيام بتعيين معالي الأستاذ سليمان الحمدان وزيرًا للخدمة المدنية. سيرة الوزير الذاتية تؤكد لنا بأننا أمام شخصية أثبتت مقدرتها على حُسن الإدارة سواء في القطاع الخاص حين كان يترأس مجلس إدارة طيران ناس، وكذلك عندما تولى إدارة حقيبة وزارة النقل وقبلها هيئة الطيران المدني. قد لا يختلف اثنان بأن تعيينه على رأس وزارة الخدمة المدنية قرار جاء في الوقت المناسب لعدد من الأسباب لعل أهمها ضرورة تغيير آليات العمل المتبعة في وزارة الخدمة المدنية، التي تحتاج إلى غربلة شاملة وملحة ولتضع خلفها ضعف واضح في أدائها في الماضي مما جعلها شبه عاجزة عن تقديم حلول لقضايا مهمة وملحة للمجتمع وتحتاج لشخصية إدارية مبدعة تمضي قدمًا نحو إصلاح شامل وجذري لنظام الخدمة المدنية ليتوافق مع رؤية المملكة 2030 ويكون سندًا لها بأذرعه وكفاءات إدارية وطنية هي متوافرة وموجودة على أرض الواقع وفي كافة التخصصات وتحتاج فقط لمن يعطيها الفرصة لإثبات نفسها. هناك ثلاثة محاور أساسية في حاجة ماسة وعاجلة تحتاج لاتخاذ قرارات جريئة بخصوصها من أجل رفع كفاءة العمل الإداري والوظيفي في المملكة، وهي قضايا الإدارة الوسطي، البطالة وسن التقاعد. من المتعارف عليه بأن الوظائف الإدارية الوسطى هي المحك لنجاح منظومة العمل لأي قطاع من القطاعات، كونها من يقع على عاتقها تسيير العمل اليومي بكل تفاصيله الدقيقة، وفي القطاع الحكومي تقع دائرة الوظائف الإدارية الوسطى ضمن المراتب الحادية عشرة، الثانية عشرة والثالثة عشرة، وتختلف آلية وشروط الترقيات عليها من قطاع حكومي لآخر، ويكون لرأي المدير المباشر ورضاه عن الموظف القول الفصل بغض النظر عن كفاءة الموظف للترقية من عدمها. لقد حان الوقت وعلى ضوء رؤية 2030 أن تضع وزارة الخدمة المدنية معايير موحدة وصارمة تلتزم بها كافة مؤسسات الدولة فيما يخص الترقيات، وعدم ترك هذه المهمة الحساسة للمعايير الشخصية للمديرين التي نرى نتيجتها واضحة لنا في ترهل ملموس ومحسوس في الإدارة الوسطى للكثير من الجهات. كذلك يمكن للوزارة ولضخ روح قيادية في العمل الإداري الحكومي استحداث وظائف عليا في كافة قطاعات الدولة ليتم توظيف المميزين عليها خصوصا المبتعثين مع تطبيق معايير وشروط احترافية مهنية لمن سيتم اختيارهم وذلك عوضًا عن عقود المستشارين برواتب عالية والمعمول به حاليًا الذي أثبت عدم جدواه، وخلق نزعة عدم رضا من أغلبية الموظفين وهم يرون من هم أقل منهم خدمة وخبرة يتحصلون على رواتب تتجاوز أضعاف ما يحصلون عليه. وفيما يخص موضوع البطالة وهو موضوع ذو شجون ويهم المجتمع فلا بد أولاً من الإشارة إلى حقيقيتين حولهما، أولهما بأنه ليس هناك دولة في عالمنا من دون بطالة، حتى الدول العظمي لا تسلم منها وهي حقيقة تفرضها المعطيات الاقتصادية والزيادة المطردة في عدد السكان، وثانيهما هو أن الحكومة ومنذ توحيد المملكة يقع على عاتقها مهمة توظيف أغلبية قوة العمل في المملكة، كذلك فهناك تفاوت ملحوظ بين نسبة البطالة بين الذكور والإناث في المملكة، حيث تبلغ نسبتها بين الإناث أكثر من الضعف مقارنة مع الذكور، عليه تقع مهمة خفضها على عاتق وزارة الخدمة المدنية وعلى محورين أساسيين من خلال القطاع الحكومي والخاص. ففي القطاع الحكومي ما زالت هناك الكثير من الوظائف التي يشغلها غير سعوديين خصوصًا في وزارتي التعليم والصحة، وقد آن الأوان بشغلها بكوادر سعودية متوافرة ومتخصصة ولها القدرة على العمل بكفاءة ومهنية. وانطلاقًا من رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الكلي للدولة، فوزارة الخدمة المدنية إضافة إلى الوزارات ذات العلاقة مثل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة الاقتصاد والتخطيط تقع على عاتقهم مهمة وضع إستراتيجيات ورؤى تصب في تحفيز القطاع الخاص نحو المشاركة الفاعلة لتوظيف السعوديين وجعل القطاع الخاص جاذبًا لهم بالتوظيف عوضًا عن كونه طاردًا لهم. السن القانوني للتقاعد هو أيضًا من القضايا التي تصب بشكل أو آخر في مهام وزارة الخدمة المدنية، وهناك إشكالية واضحة في حساب هذا السن باختلافه حسابه بين التقويم الهجري والميلادي، فالموظف الذي يبلغ سن التقاعد البالغ ستين سنة بالهجري هو في الحقيقة بلغ من العمر ثمانية وخمسين عامًا، بفرق يزيد على أكثر من سنتين بين سنه الحقيقي وسن تقاعده، وهو أمر يحتاج لوضعه في عين الاعتبار بالتنسيق مع الجهة ذات العلاقة والمتمثلة في المؤسسة العامة للتقاعد.
مهمة تحديث آليات عمل وزارة الخدمة المدنية مهمة صعبة ولكن ليست بالمستحيلة خصوصًا أن ولى الأمر حفظه الله أسند لها من أثبتت التجارب بأنه مؤهل ولديه الرؤية والشجاعة لاتخاذ كل ما يلزم لإنجاحها.