أمل بنت فهد
بين مُتطلب وقنوع حكايات مؤذية من الحرمان الخفي.. الحرمان الذي يحدث تحت غطاء.. حرمان يمر دون أن ينتبه له أحد.. حرمان يحرق روحاً شامخة مُترفعة عن الطلب.. والإلحاح.. تقبل ما يقدم لها.. لكنها أبداً لا تبادر بالطلب.
ذاك المنسي قد يكون أحد الأبناء.. قد يكون أحد الموظفين.. قد يكون صديقاً.. يتشابهون في أمر واحد.. إنهم لا يطالبون بشيء.. وسعادتهم بما يقدم لهم دون هدر كرامتهم في المطالبة.. يعيشون جحوداً طويلاً.. كأنهم شفافون في الأمكنة حيث لا يراهم أحد.. رغبتهم الأعمق أن يلفتون الانتباه دون ضجيج.. ودون جدال.. ودون قتال.
حين تسأل أحدهم ماذا تريد؟.. غالباً يكون رده لا أحتاج شيئاً.. لدي ما يكفي.. ليس لأنه لا يريد.. إنما تمنعه عزة النفس من جهة.. ومراعاته لك من جهة أخرى.. إنه المتعفف عن طلب الحب والحنان والاهتمام.. يختلف تماماً عن بطل النزال.. والنقاش.. في سبيل انتزاع حاجته دون هوادة.
المنسي إنسان حولك.. وربما أمامك.. أو خلفك.. يقدم أجمل ما عنده.. ويعود لزاويته.. ينتظر منك إحساساً.. وفهماً.. لمسة حانية.. حضنا.. هدية ما.. يريدك أن تشعر به دون أن يتحدث.. دون أن يزعجك.. دون أن يحرجك.. وغالباً ستظن أنه منيع عن رغبات أقرانه.. وأنه مكتفٍ.. وتتركه لانتظاره.
في حياة كل واحد فينا.. شخص منسي.. ينجز بصمت.. ينجح بصمت.. يتألم بصمت.. ولا يمكنه أن يحدث ضجيجاً كي يلفت انتباهك.. ابحث عنه قبل أن يصل إلى قناعة أنك لا تهتم به.. لا تحبه مثل أقرانه.. لأنه سيرحل بصمت أيضاً.. والأسوأ أن يكون مؤمناً بك لدرجة أن يصدق عدم استحقاقه للحب والاهتمام.. لا تذبحه بجهلك.. لا تظن أن أحداً لا يعنيه العطاء.. فإعلان الاكتفاء يكون أحياناً حيلة لإخفاء الاحتياج.
إنها ضريبة الحب الصامت.. يدفعها الجميع.. أنت والمنسي.. فإذا عرفت من نسيت في غمرة انشغالك.. تفقد أحواله.. حاول أن تتذكر متى منحته من نفسك موقف مؤثراً.. واسأل نفسك هل تعرفه كما تعرف غيره؟ هل تفهمه كما تفهم غيره؟ والسؤال الأهم.. ماذا تعرف عنه أصلاً؟!