محمد آل الشيخ
ويتابع حافظ وهبة: (أما الجغرافيا فإننا لا نعلم الأولاد منها إلا ما يتعلق بوصف البلدان ومواقعها وحاصلاتها وما يهمنا منها من الوجهة التجارية والعلمية، وما عدا ذلك من المسائل فإنه لا يعلم في المدارس على أنه عقيدة دينية يجب الأخذ بها، على أنها نظرية مقررة، وهنا يحسن قبل أن أختم كلمتي أن أقول لحضراتكم: إن مسألة سد الذريعة -(نفس الحجة هذا اليوم)- قد وسعت بدرجة قضت على كل معنى مقصود منها، فحضراتكم كلما أردتم منع شيء قلتم سدًّا للذريعة، فما قولكم في العنب والتمر يستخرج الخمر منهما، والحكومة قد ضبطت في بلد الله الحرام من يصنع الخمر من هاتين الفاكهتين، وقد وقع مثله في عصر الصحابة، ولم يقل أحد بقطع أشجار الكروم والنخيل).
وحاول وهبة أن يشرح لهم ضرورة هذه العلوم، إلا أنهم لم يقتنعوا. فقال له الملك عبدالعزيز لا تكترث بهم واستمر.
كذلك اعترضوا على البرقية، وعلى تعطيل الجهاد، فهم يريدون أن يستمروا في الجهاد إلى أبد الآبدين، غير عابئين بموازين القوة والضعف، وإمكاناتهم البدائية أمام قوى الآخرين المتطورة، ولا باختلاف عصرنا عن عصر الأوائل، الأمر الذي جعل الاقتداء بالسلف دون تمييز، قد تنتهي به الدولة الوليدة إلى النهاية. المهم انتهت هذه النقاشات، عندما غاب العقل والمنطق عن بساط البحث، بفرض الأمر الواقع بالقوة المسلحة التي رسخت هيبة الدولة في نهاية المطاف.
والملك سلمان بقراراته الإصلاحية المتلاحقة هذه الأيام، كأنه يستحضر عهد الملك عبدالعزيز، خاصة وهو -كما هو معروف- مرجع من مراجع تاريخ المملكة، وبالذات تاريخ الملك المؤسس؛ ورجلٌ لديه هذه الإمكانات الثقافية، والمعلومات التاريخية الغزيرة، فهو أقرب الناس للاقتداء بالمؤسس -رحمه الله- في تعاملاته السياسية التي كانت سبباً من أسباب قيام المملكة واستمرارها؛ الحوار ومحاولة الإقناع في البداية بالحسنى، ثم الحزم والحسم وفرض هيبة الدولة على كل من حاول المساس بهيبتها، مهما كانت ذريعته التي يتذرع بها.
والملك سلمان لمن يعرفه حق المعرفة منذ أن كان أميراً على الرياض، لا يساوم إذا كان الأمر يتعلق بهيبة الدولة والأمن والاستقرار، فهذه العوامل بمثابة حجر الأساس لبقاء الدول فإذا انتُهكت، فقل على الدولة السلام؛ حتى تكاد أن تجزم أن أول مقتضيات الحكم الإداري التي يكون لها حضور ربما يطغى على أي حضور آخر في ذهنية الملك سلمان الإدارية، هي هيبة الدولة التي يعتبرها في فلسفته للحكم ثوابت لا يحيد عنها قيد أنملة، وإن تمرغت أنوف بعض المتمردين في التراب، إننا نعيش هذه الأيام مرحلة جديدة، من مراحل تاريخ الدولة السعودية هي في أوج قوتها ومنعتها داخلياً وخارجياً.
إلى اللقاء