عبده الأسمري
في خضم مئات الرسائل اليومية لا أعلم كيف يجد بعض البشر وقتا لإعادة تدوير القرارات وفبركة «الفوتوشوب» وإطلاق النكات وترويج السخف بكل صوره فيما تمتلئ الهواتف الجوالة بالتهديد والوعيد والنصح المكرر وأكاذيب الشركات وألاعيب الدعايات ومغرضات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وكما أن هذه الموجهات الإلكترونية التي باتت مرافقة لنا في شؤوننا تستهلك من الفارغين جل وقتهم فهم يصفقون لأنفسهم كثيرا ويشجعهم صف من المعجبين ببؤس الفراغ مما جعل مساحات السخرية تزداد وتتسع وينضم إلى محيطها يوميا العديد من التعساء والبؤساء الباحثين عن الفوضى المشجعين للسخافة .
عجبت كثيرا وسأظل من سيطرة الفراغ على حياة هؤلاء الذين تجدهم يتصيدون أي حدث ليبلوروه في قالب مضحك أو صورة مركبة أو فيديو مؤدلج يثير السخرية ويروج لثقافة هزيلة ستنعكس سوءا على أجيالنا القادمة.
في سنوات مضت كانت الأماكن العامة تعج بالشباب الذين يناقشون قضاياهم بعقليات متزنة وكانت طريقة التداول صريحة مريحة صادقة شفافة بعيدا عن التركيب والتمويه لأي أمر أو حدث ثم تحول الأمر إلى إسفاف خطير يتمثل في سخرية وتفاهة متداولة صادرت الجد من أروقة المجتمع لتطيح بكل مقومات النقاش الهادف.
السلوك الإنساني جملة من المثيرات والاستجابات فمن نكات وطرائف المحششين التي انتشرت في سنوات مضت إلى نشر فيديوهات مركبة تستهدف أشخاصا أو جهات أو مجالات بعينها وانتهاء بالتلاعب على أمور مجتمعية متعددة من خلال الصوت والصورة والتركيب والتهويل والإسفاف الأمر الذي حول الموضوع إلى قضية أتمنى أن تتم معالجتها حتى لا يوصم مجتمعنا بها.
كيف نواجه هذه التراجع المجتمعي المخيف في القيم وكيف نوأد ثقافة السخرية التي تجاوزت الطرافة وتعدت الضحك إلى ما هو أبعد نحو التلاسن والتراشق والسخف بكل صوره؟ كيف نحمي أطفالا ومراهقين وفتيات ونساء من أفق مفتوح للتباري بمسميات هزل وشخصنة وأهواء تتلاعب بها رسائل مركبة باتت حتى حديثا يتناقل بالقول ويفضي إلى ثبات في السلوك مستقبلا؟.
هل أصبحت السخرية حيلة دفاعية لفراغ يحتل قلوب مرتاديه ومحبيه أم أن القيود الاجتماعية والتربية تراجعت أم أن الإشكالية تكمن في سلوكيات معممة وعشوائية احتضنت الكثير تحت لواءها فباتوا أبطال سخرية جائلة للشهرة أو لقضاء وقت فراغ بائس في وسائل التواصل الاجتماعي؟.
أين هؤلاء الساخرون الذين سخروا وقتهم للتفاهة من القراءة أو الكتابة أو النقاش الموضوعي أو من تناول الموضوعات بطريقة حضارية عليهم أن يعلموا أن السخف كان حاضر في الجاهلية الأولى عندما غابت المعرفة وطغى الجهل فكان والهزل بوابة للسخرية ومنطلقا لسلبيات كثيرة.
السخرية أمر خطير وإن ظل متلازمة مع كل محفل أو قرار أو قضية أو شأن مجتمعي أو حدث فإن ذلك سينشئ لدينا أجيالا مضطربة فوضوية غير واعية تعتمد على التداول الهزيل للقضايا من رؤية محدودة وعقلية رجعية وتتشبث بتعامل غير جاد مع مختلف القضايا أتمنى أن يكون هنالك تحركا جادا وأن ترصد السخرية كجزء من تجاوز النظام والتعدي على الآخرين وأن تعامل كجريمة فقد حذر منها ديننا الإسلامي مع أهمية نشر الوعي بمخاطر السخرية المستقبلية لأنها ستشكل فتيل لإشعال جهل قادم ممتلئ بالسوء يجب الحذر منه.