عبد الله باخشوين
رواد العمل الصحفي والكتابة الصحفية من أمثال أستاذنا الكبير خالد المالك الذي يتبوأ سدة القيادة في واحدة من أهم الصحف السعودية والخليجية ((صحيفة الجزيرة)) منذ ما يقارب من خمسين عاماً.. يعرفون جيداً أن الكتابة في الصحف السعودية.. تمثل مدرسة خاصة جداً.. جداً لما فيها من ((تعقيدات)) متداخلة ومتشابكة يصعب فيها الفصل بين ما هو ديني واجتماعي وسياسي.. ويصعب فيها الفصل بين نقد المسئول ونقد المؤسسة أو الدائرة أو الوزارة التي هو قمة هرمها.
وخلال فترة زمنية متباينة.. أو مختلفة يستطيع أمثال ((أبوبشار)) قراءة وتحديد حجم ((الحرية)) المتاحة للتعبير.. ولديهم ((ترمومتر)) حساس جداً يحمل كل ((ألوان الطيف)) التي يمكن للبوصلة أن تشير لها من ((الأحمر)).. وحتى ((ما عندك أحد)).. أي المساحة التي يمكن للكاتب أن يقول فيها ما يشاء دون رقيب أو حسيب.
وعندما بدأ أبناء جيلي الكتابة للصحافة في القصة والشعر والنقد.. قبل أن ((يصبحوا)) من أصحاب ((الرأي)).. كانت مدرستهم الأولى أساتذة مثل أستاذنا الكبير خالد المالك -أمده الله بالصحة والعافية-.. وفي هذه المدرسة أردنا أن نقول ((كل شيء)) ونكتب عن ((أي شيء)).. وعندما ((ينشر)) ما نكتب كنا نتعلم من ((إعادة قراءة ما نشر)).
لنعرف ما الذي ((شطبه المسئول)) وما الذي أبقى عليه.. وذلك ليس لعدم ((قوله)) مرة أخرى.. لكن لـ((قوله)) بطريقة تحول دون قلم ((الرقيب)) وشطبه.. لذا أزعم أنه نشأت لدينا مدرسة ((رمزية خاصة)) يستطيع الكاتب أن يمر من خلالها بـ((سلام)) وأدركنا جيداً أهمية ((الخطوط الحمراء)) في كل اتجاهاتها دينياً وسياسياً وحكومياً واجتماعياً.. وبحكم الممارسة بين الشد والجذب.. واقترب عدد كبير منا من الصحافة للعمل فيها احترافياً.. أدركنا جيداً.. أن الكاتب للصحافة السعودية.. يستطيع أن يكتب في أي شيء.. ويقول أي شيء.. دون أن يشطب حرفاً واحداً مما يكتب.. شرط ألا يخونه ذكاؤه.. ويعرف ((متى)) يجب أن يقول ((هذا)) ومتى يمتنع عن قول ((ذاك)).. وشرط أن يكون قد عرف كيف يقوله.. دون خدش للحياء.. ودون إثارة واستفزاز الآخرين.. ودون -وهو الأهم- الرغبة في صنع ((مجد شخصي)) يعوّل عليه من خلال لبس رداء ((الكاتب الجريء)).. وافتعال الصدام مع شخصيات أو مؤسسات بهدف تحقيق ((مصالح شخصية)).. فخلال عمر صحافة المؤسسات.. مرّ الكثير من هؤلاء ثم ذهبوا إلى غير رجعة, غير مأسوف عليهم.
كل هذا الذي تقدم -هو مجال القول إن صحافتنا ((مدرسة خاصة جداً)).. ومن خلال تجربتي في الكتابة الصحفية سواء كمتفرغ أو متعاون.. تم منع مقالات -ربما- يزيد عددها على مجموع ما نشر.. وفى كل ((منع)) أدرك جيداً أنني كتبت على عجل وبانفعال جعلني غير قادر على إيصال ما أردت قوله بطريقة مناسبة.. وفي حين كان يشكو بعض الزملاء من ((قسوة)) الرقيب.. كنت أعيد كتابة ((الفكرة)) التي تلح عليّ بطريقة هادئة ومتعقلة فتمر بسلام.
أما ((نقطة الفصل)) في كل هذا.. فتعود إلى أن تجربتي في الكتابة بشكل عام بدأت من خلال عملي في عام 1391 هجرية في جريدة عكاظ التي شهدت صولات وجولات كتاب كبار من أمثال عبدالله مناع.. وعبدالله جفري.. ومشعل السديري.. وفوزية أبوخالد.. وغيرهم من شبان ذلك الوقت الذين كنا نحاول مجاراة بعضهم أو تقليد البعض الآخر.
غير أن عملي جاء خلال مرحلة الأستاذ الكبير عبدالله أحمد الداري مديراً للتحرير ثم رئيساً للتحرير.. وكانت تسبقه سمعة تؤكد عدم تهاونه كـ((رقيب)).. حيث يصعب أن يمر عليه أي شيء.. وقد قيل حينها.. إن مقولة:
- اطلب العلم ولو في الصين..!
حينما مرّت عليه أضاف لها كلمة ((الوطنية)) لتمييزها عن الصين ((الشعبية)) التي يقودها الزعيم الشيوعي ماوتس تونغ..!