«الجزيرة» - سالم اليامي:
أجمع مختصون ومحللون اقتصاديون على أهمية الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لروسيا، انطلاقًا من أبعادها الإستراتيجية والاقتصادية، مؤكدين أن الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من تعميق العلاقات بين البلدين الصديقين، وذلك استنادًا إلى الاتفاقيات الموقعة بينهما التي شملت عدة مجالات، كما ستسهم في رفع حجم الاستثمارات والتبادل التجاري بينهما، لا سيما أن البلدين يملكان مقومات وعوامل قوة اقتصادية وموارد ضخمة على المستوى العالمي. ولفت الاقتصاديون في حديثهم لـ«الجزيرة» إلى مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- التي ألقاها خلال استقباله أعضاء مجلس الأعمال السعودي - الروسي، حيث أكَّد -حفظه الله- أهمية الجانب الاقتصادي والشراكة بين البلدين وأهمية نقل مستوى العلاقات الثنائية لآفاق أرحب وأشمل تؤسس إلى شراكة نوعية أقوى وأعمق.
وقال الاقتصادي محمد العنقري: إن الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- لروسيا فتحت آفاقًا واسعة وجديدة للشراكة والتعاون بين الدولتين حيث وقعت اتفاقيات اقتصادية وعسكرية عديدة بينهما إضافة للقاءات بين ممثلي قطاعي الأعمال بالدولتين الذي قد ينجم عنه عقود وصفقات مستقبلاً ترفع من حجم الاستثمارات بالدولتين وكذلك حجم التبادل التجاري وفقًا للفرص المتاحة.
وأضاف: «بدأت التهيئة لهذه الزيارة التاريخية منذ فترة طويلة وتم خلالها تحديد نقاط الالتقاء وأين يمكن بناء المصالح بين المملكة وروسيا، وكانت المقدمة من خلال اتفاق منتجي النفط من داخل أوبك بقيادة المملكة ومن خارجها «المستقلين» بقيادة روسيا على خفض الإنتاج الذي أثمر عن التزام كل المنتجين بكمية الخفض المحددة التي أدت لارتفاع الأسعار إلى مستويات ما فوق 50 دولارًا منذ العام الماضي بعد أن شهدت هبوطًا حادًا لدون 30 دولارًا للبرميل، لكن المرحلة الحالية تشهد تحولاً إستراتيجيًا بالعلاقة خصوصًا الاقتصادية بينهما مع التوسع بالشراكة بمشروعات بعد أن تم تأسيس صندوق استثماري مشترك عام 2015 م بعشرة مليارات دولار ليتم تفعيله بوتيرة أسرع حاليًا إضافة لتوقيع عقود عديدة شملت قطاعات النفط والتعاون باستثمارات الطاقة والبتروكيماويات وكذلك تأسيس شركة للاستثمار بالبنية التحتية بروسيا التي تتوقع أن يصل حجم إنفاقها عليها نحو تريليون دولار مما يعني أن فرصًا عديدة ستولد من هذا الحجم الضخم لاستثمارات روسيا ببنيتها التحتية، إضافة إلى اتفاق صندوق الاستثمارات العامة و»أرامكو» وصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي على تأسيس منصة لإيجاد فرص استثمارية في قطاع خدمات الطاقة في روسيا مع إمكانية توطين بعض النشاطات في السعودية وكذلك تأسيس صندوق الاستثمارات العامة والاستثمارات المباشرة الروسي منصة مشتركة للاستثمار في شركات التكنولوجيا الروسية حيث يتوقع أن يصل حجم الاستثمار لمليار دولار أمريكي».
وأردف العنقري: يعد الاقتصاد الروسي أحد أكبر عشرة اقتصاديات عالميًا بحجم ناتج محلي يفوق تريليوني دولار سنويًا وتمتلك أكبر احتياطيات من الثروات الطبيعية فهي الأولى بالغاز الطبيعي والثامنة باحتياطي النفط وتمتلك عديدًا من المعادن، كما أن مساحتها تمثل 12 في المائة من مساحة الكرة الأرضية الماهولة بالسكان وفيها 25 في المائة من المياه العذبة بالعالم وتعد ثالث مصدر عالميًا للحبوب وعدد سكانها يفوق 145 مليون نسمة وارتفعت نسبة الطبقة المتوسطة فيها منذ العام 2000 إلى وقتنا الحالي إلى 55 في المائة بعد أن كانت قبل ذلك دون 20 في المائة وفق بعض الاحصاءات وبات اقتصادها حرًا بعد عقود من الاقتصاد الاشتراكي وهي من أهم مصنعي الأسلحة بالعالم ولديها مراكز بحثية ضخمة بمجالات الفضاء والطاقة الذرية، وكل هذه المعطيات إضافة لأهمية روسيا كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي تجعل منها شريكًا مهمًا للمملكة خصوصًا بالشق الاقتصادي.
فيما أشار الاقتصادي فضل البوعينين إلى أهمية الزيارة الملكية لروسيا والمباحثات الثنائية في تقريب المواقف ومعالجة التحديات والوصول إلى أرضية مشتركة تختصر الزمن في تحقيق الأهداف المختلفة، حيث يعمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على إنجاز أكثر الملفات أهمية للمملكة، الأول مرتبط بالهيكلة الاقتصادية ورؤية المملكة 2030؛ والثاني مرتبط بإعادة ترتيب العلاقات السياسية على أسس من الشراكة الإستراتيجية الضامنة للاستدامة؛ والمحققة لأمن واستقرار المنطقة، وما يتعلق به من شؤون الأمن والتمكين العسكري.
وأضاف: لذا لم يكن مستغربًا زخم الملفات الاقتصادية في أغلبية الزيارات الملكية لجميع دول العالم دون استثناء؛ ومنها روسيا؛ وأحسب أن الإستراتيجية السعودية باتت تعتمد في مدخلاتها على قاعدة متنوعة من الشراكات الاقتصادية المفضية إلى الشراكة السياسية والأمنية المثمرة.
ونوه البوعينين بما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي ألقاها خلال استقباله أعضاء مجلس الأعمال السعودي الروسي من أهمية الجانب الاقتصادي والشراكة بين البلدين وأهمية نقل مستوى العلاقات الثنائية لآفاق أرحب وأشمل تؤسس إلى شراكة نوعية أقوى وأعمق، وربط بين خطط الإصلاحات الاقتصادية المؤطرة برؤية المملكة 2030 وبين الفرص المتاحة لجميع الدول، وتطلع المملكة إلى مشاركة الشركات الروسية الرائدة بفاعلية للدخول في الفرص الاقتصادية التي ستوفرها هذه الرؤية، لتعزيز الشراكة في جميع المجالات وبما يعود بالنفع على البلدين والقطاع الخاص.
من جانبه قال رئيس مجلس الغرف السعودية المهندس أحمد الراجحي: إن الزيارة تمخضت عن نتائج جيدة تصب في صالح تعزيز الوضع الاقتصادي للمملكة، حيث حظي الجانب الاقتصادي والاستثماري بأهمية كبرى، إِذ شهدت الزيارة أيضًا لقاءات مكثفة من الجانبين الحكومي وقطاع الأعمال السعودي أثمرت عن توقيع حزمة من الاتفاقيات والصفقات التجارية والاستثمارية التي سوف تنعكس إيجابًا على حجم التبادلات التجارية وزيادة فرص تنويع مصادر الدخل، وذلك بتطوير الصناعات وبناء شراكات في مختلف مجالات الطاقة والتعدين والصناعة والزراعة والتكنولوجيا والتقنية، خصوصًا أن رؤية 2030، حملت في طياتها مشروعات اقتصادية وتنموية طموحة، وتحتاج لشراكات كبيرة مع الاقتصاديات المتقدمة.
كما لفت الراجحي للمناقشات الإيجابية التي شهدها منتدى حوار الرؤساء التنفيذيين السعودي الروسي، بمشاركة 200 شركة سعودية وروسية، ومنتدى الاستثمار السعودي الروسي، فضلاً عن اجتماعات مجلس الأعمال السعودي الروسي المشترك، واللقاءات الثنائية بين أصحاب الأعمال في البلدين، معتبرًا ما تم مناقشته وطرحه في هذه اللقاءات والمنتديات يؤسس لفكر جديد في العلاقة التجارية بين البلدين تتجاوز مفهوم اقتناص الفرص الاستثمارية لمرحلة الشراكة المستقبلية المستدامة لمصلحة الأجيال القادمة وازدهار البلدين.