مها محمد الشريف
في ثنائية. نستهل بها ما سنكتبه عن الحدث كون الحدث رسمياً يحتل الصدارة العالمية بأجنداته.. ثم هو غير مسبوق في حجمه وزخمه السياسي. لعل طبيعة الموقف تحتم على الكاتب إدراك الحقيقة في ذاتها، لأنها نابعة من الواقع وتظهر علاقته الجوهرية بما يحيط به من أحداث، أولاً ثم من ذاته الوطنية التي تشعره بمزيد من الاعتزاز والفخر، وأمام هذه الزيارة الرسمية لخادم الحرمين الملك سلمان التي تصدرت الصفحات الأولى من الصحف العالمية والعربية والمحلية نشرت حقيقة بمقتضى مضمونها، قد تجلت في أهميتها السياسية، وتجلى مفهومها وصورها المباشرة التي نقلت للعالم دور المملكة وثقلها السياسي والاقتصادي ومحوريتها في الفعل الدولي المعاصر.
والذاكرة في تزامنها مع هذا الحدث تستحضر دور روسيا في القضايا الإقليمية وتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، على الرغم من دور واشنطن التي لا تزال قوة لا غنى عنها في حل الملفات الشائكة في المنطقة، ويبدو أن مقداراً أكبر يتطلب المشاركة الفعلية تصل إلى حيز التنفيذ، لكن تحالفاتها التقليدية في المنطقة ضعفت، وهذا هو السبب الذي يحدو بالزعماء الإقليميين للحرص والبحث عن بدائل لها اليوم، فمعظم الوجهات تسير نحو الكرملين.
كان الوقت قد تقدم نحو المستقبل حين توثقت العلاقات السعودية الروسية وترجمتها الزيارة التاريخية لتجد لها مكاناً هناك بين الكواكب قرب الشمس، فزيارة الملك سلمان -حفظه الله- لروسيا، أتت بحزمة اتفاقيات تعاون بين البلدين، من شأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية والثقافية، حيث ستحل روسيا ضيف شرف في معرض الكتاب في الرياض مارس المقبل، وكان ذلك من خلال فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي في روسيا التي تقام في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا الاتحادية.
تعاون على المستويات كافة على اعتبار أن جميع المزايا متوافرة لنا نحن كدولة عظمى في الشرق الأوسط لها ثقل استراتيجي في العالم، تبرم الاتفاقيات لتأسيس صندوق بقيمة مليار دولار للاستثمار في مجال التكنولوجيا، وصندوق بمثل هذه القيمة للاستثمار في مشروعات الطاقة، كما وقع الجانبان على خارطة طريق لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري ومكافحة الإرهاب.
لا يتخيل المرء ظروفاً أكثر مواءمة من الوقت الراهن من خلال هذه الزيارة الرسمية غير المسبوقة، حيث شملت الشراكة العديد من العقود لتوريد أنظمة عسكرية، ومذكرة تفاهم لنقل وتوطين تقنية تلك الأنظمة بالمملكة وتحويلها إلى نمو ملائم يتحدد داخلياً، مما سيعزز الاكتفاء الذاتي السعودي، إلى جانب اتفاقية لاستثمار نحو 228 مليون دولار في مشروعات البنى التحتية للمواصلات في موسكو وسان بطرسبورغ.
وهكذا، كل شيء يجري مجرًى حسناً بعد قمة عقدها الرئيس بوتين والملك سلمان بموسكو لتعزيز العلاقات وخدمة الاستقرار العالمي والعمل على استقرار سوق النفط، وسرعان ما أدرك العالم هذه الأهداف بفضل سياسة حكيمة ورؤية واعدة أعدت للمستقبل اهتماماً كبيراً قوامها التوافق مع الدول العظمى ودولة روسيا الاتحادية الدولة العريقة، فقد أسفرت عن توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر «سيبور»، أكبر شركة منتجة للبتروكيماويات في روسيا، وصندوق الاستثمار المباشر الروسي مذكرة تفاهم مع شركة «أرامكو» السعودية حول الاستفادة من فرص التعاون الممكنة في روسيا والسعودية.
وعليه يمكن أن نشير إلى أن الأمر الأهم والأبرز لهذه الزيارة يعطي في الوقت نفسه عرضاً ضخماً أكثر اتساعاً وأهمية على المستوى الدولي وأكثر إتقاناً وإمكانية في العلاقات الدولية والمصالح المتبادلة.