د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استجمعتُ حزما من التفاؤل مما يُطِلّ علينا كل حين في حاضرنا الجميل؛ فكتبتُ لاستبق شيئا من آمال قادمة وصولا إلى بوابات الطفولة في بلادي السعودية السعيدة؛ فكان المستراد أمامي واسعا، فشرعتُ في الحديث عن البساط الذي تسير عليه الطفولة في بلادنا؛ وعن مرتكزات نهوضها حتى ندرك شغف الذين ينادون بأن يكون أطفالنا قادة للفكر والرأي المعتدل ومشاعل للإصباح في بلادنا! وأحسبهم كذلك! حيث يحملون في ضلوعهم الغضة تلك الكيمياء العجيبة التي تنتج جاذبية محفزة للالتفاف والاحتواء والاستجابة؛ فوجدتُ تواترا يكاد يبلغُ الإجماع بأن يحمل الحراك حولها جهاز حكومي واحد تلتقي فيه قطاراتها التي مازالت تفيض بجهود متوالية من خلال منصات الدعم الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني كمنظومة التعليم؛ ومصادر الثقافة بأشكالها؛ واللجان والجمعيات الوطنية , ومجلس شئون الأسرة الذي منحته قيادتنا الرشيدة للأسرة كأحد هداياها وغير ذلك، وما ينتظر الطفولة من نوافذ ضوء أخرى تضمنتها رؤية بلادنا الفريدة 2030، فلعلها تلتقي في وزارة أو هيئة عامة تستحدثها الدولة - رعاها الله - لتكون استثناء في استراتيجياتها، وأن يشمل ذلك منصات التأسيس والإعداد لمن يقود مراكب الطفولة من خلال مقومات ومعايير علمية ممنهجة تركز على جوانب الدعم النفسي والسلوكي أولا فهي القاعدة الكبرى التي يجب أن تُبنى عليها متممات تكوين الشخصية من المعارف الغزيرة؛ فمن الأجدى إيجاد محضن أكثر دفئا، يتشقق عن ابتسامة ترمم واقعها ؛ وتشق سكونها وسط منظومة العناية البشرية التي رفعت بلادنا راياتها؛ وأن تكون المؤسسات الحاضنة للطفولة مجسدة لصناعة القيم التي من شأنها أن تصنع حالات من الاتفاقيات السامية؛ ففي الفضاء الطفولي الواعد نستطيع أن نصنع قنوات من التغيير المؤثر؛ ونحول طاقتنا من الحب الأعمى إلى الود البصير وإشعال قناديل الايجابية، والقدرة على تناول واقع النكوص ومغادرة ما هو هش في البنية، وضيّق في التناول البشري، وصناعة مغامرات جديدة في تسيير قطار الحياة أمام الطفولة المقبلة بشغف ؛ فعندما نطرح سقفا عاليا من الاهتمام بواقع الطفولة فإن ذلك يشعل كواشف النور حولها فمازال أطفالنا الذين يدخلون المدارس كعلامات الاستفهام؟! وربما خرجوا منها وهم ما يزالون نقاط وقف باهتة!! ذلك لأن إشكالية التلقّي في تلك المرحلة المهمة من العمر مازالت تحتاج وفيرا من عمل واستراتيجيات متينة، فأين منا دمج المعرة بواقع التقنية الذي يحيط بيئات الأطفال أنفسهم؟! وأين منا تحقيق السيادة بتأصيل مناهج التعليم لفئات الطفولة من الداخل قبل الخارج؟! فليتنا نفكر قبل أن نستورد شئوننا المعرفية من الخارج دون تأصيل من هويتنا السعودية العميقة؟! وأين منا المسرح التعليمي الزاخر بمحفزات النهوض وبمآثر بلادنا الماضية لترتاده الطفولة لترى فيه مستقبلها الواعد؟!
ويبقى السرد الفني وإخراجه في صور مشوقة يمثل أدوارا معرفية و تربوية عالية إذا ما أحسن اختيار محتوياته فيختزل الكثير من الخبرات والمعارف، ويقدمها للأطفال بشكل مشوق وجاذب وتكتسب حياتهم ونموهم الفكري أشكالا حسية وإبداعية شتى مما يصنع من المعرفة زمرا؛ ومن القيم حزما تتصدى لثقافة الصور الاستهلاكية التي غزت فضاءاتهم، فنحن نحتاج حتما إلى أرضية تربوية تحترم وعي الأطفال بالمواقف المدهشة الحية، والقيم النبيلة النامية، وتؤمن بتأثيرها عليهم إذا ما اصطفت كفاصل بين المواقف التي تحترم خصوصيتهم.
والعناية بالفن كقاعدة من القواعد الأساسية لبناء المشروع التعليمي للطفولة يهذب النفوس، وينمي الذوق، ويحفز القيم؛ فحقول الغد ليست ممهدة كما يجب مقارنة بالدعم السخي الذي توليه قيادتنا الرشيدة لهذه الفئة!! فأين منا بناء علاقة حقيقية بين كل مؤسسات الطفولة وبيئاتهم داخل الأسرة على أن لا يكون ذاك البناء تهميشا لدور الأسرة والإملاء عليها بما تنشده مؤسسات الطفولة التعليمية والاجتماعية!! فالعلاقة في نظري مثاقفة وليست تثقيفاً، وتواشج في الأدوار الاجتماعية والوطنية؛ فالطفولة اليوم بدايات حدائق الغرس، فتحتاج إلى غرس وجداني نام يرتفع من خلاله خطاب الطفولة إلى مسارات أكثر بهجة وأكثر إقناعا ولن يتأتى ذلك وكل في فلك يسبحون!!
فنأمل أن نرى محضنا مستقلا للطفولة يصطف مع قطاعات بلادنا النامية.
«وصُنْ ضحكة الأطفال يا رب إنها
إذا غردتْ في ظامئ الرمل أعشبا»