د.عبدالعزيز الجار الله
تدخل بلادنا في نهاية هذا العام عند تطبيق قيادة المرأة السيارات مرحلة حضارية جديدة، قد لا تشابهها أي مرحلة حضارية عشناها.
الحضارية الأولى: البداية كانت التوطين، وهو مشروع عظيم، وطَّن فيه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - شريحة من مجتمعنا، وحوَّلها من حالة التنقل إلى حياة الاستقرار، وأتم مشروعه الملك فيصل - رحمه الله -، وتم بناء المئات من الهجر والقرى والحواضر، وانحصرت في نسبة من السكان.
الحضارية الثانية: إنشاء الدوائر الرسمية وتنظيم أجهزة الدولة في عهد الملك سعود - رحمه الله -؛ إذ بُنيت أجهزة الدولة؛ فجاءت انعكاساته على الوزارات والهيئات وآليات عملها.
الحضارية الثالثة: تدفُّق عوائد النفط المالية التي أدت إلى دخول الدولة في الدورة الاقتصادية الأولى، وأُطلق عليها زمن الطفرة، واستفادت منها معظم شرائح المجتمع، وتركزت في عمران المساكن، وكانت شاملة، وغطت جميع مناطق المملكة في زمن الملك خالد والملك فهد - يرحمهما الله -، وبقيت في إطار العمران وتحسين الوضع المعيشي.
الحضارية الرابعة: الدورة الاقتصادية الثانية زمن الملك عبدالله - يرحمه الله -. وهذه الطفرة ركزت على مشروعات الدولة في بناء المدن الإنتاجية الجامعية والطبية والاقتصادية والصناعية والمعرفية، وانعكاساتها قليلة على الاقتصاد المحلي للمواطن، وإن كانت عدلت دخله، وعززت اقتصاد الأسرة.
الحضارية الخامسة: هي قرار الملك سلمان - حفظه الله - قيادة المرأة السيارات. وهي تحولات شاملة وسريعة لنمط وإيقاع المجتمع، ستنقل المجتمع بأكمله من حالة إلى حالة، من زمن قبل قيادة السيارات إلى زمن قيادة السيارات.. وهي تغيرات إيجابية اجتماعية واقتصادية وثقافية شاملة، تحدث في المدن والقرى والأرياف والبادية.
لا أحد يتكهن بما سيحدث بعد قيادة المرأة، لكن - إن شاء الله - سيكون إيجابيًّا؛ لأن المجتمع جاد في معالجة مشكلاته، والبحث عن حلول؛ لأن وجود السائق في منازلنا ليس هو الحل الدائم، وإن كان مرحليًّا، وفُرض علينا، لكن الصحيح أن يتولى المجتمع حل مشكلاته بنفسه وعبر أبنائه؛ فهي المرحلة الحضارية التي تعد أكثر المراحل حساسية؛ لأنها ترتكز على المشاركة الجماعية للمجتمع، ولها احتكاك بجملة من التقاليد والسلوك الاجتماعي والثقافة المحلية وبعض التفسيرات والمواقف الشخصية. بإذن الله سوف تقود المرأة المركبة، ونمرُّ بسلام.