عبده الأسمري
عندما يظهر الشعر كمنتج أدبي ونتاج ثقافي فنحن أمام أدوات ومتغيرات ونتائج.. في العصر الجاهلي طغى الغزل حيث كانت معطيات الحياة الاجتماعية تجمع النساء والرجال في مواقع واحدة بعيداً عن الضوابط وكانت أندية القمار ومواقع الميسر أماكن تجمع الشعراء في وقت كان هنالك من يتأبط الشعر كوسيلة للظهور ونوع من الحماسة وأيضاً للتكسب المادي في بلاط السلاطين.
تاريخ الشعر مر بمراحل متعددة تبقى خارطته مستندة على مشاهد الحياة ومشاهدات الذات ومعالم الزمن ومتغيرات التجارب.
ما بين الخارطة والمتاهة مر الشعر وعبر في اتجاهات الأزمنة.. سجل الشعراء أسماءهم في كنف التاريخ بسطوة النص الشعري الخالد وحظوة المنتج الشعري في مواريث الأدب وارث الثقافة.
في العصر الحديث تحول الشعر فعليا وظهرت النصوص التفعيلية «الحرة» وتطور واقعياً فظهرت أسماء لامعة برقت بالشعر في افاق الثقافة بأضواء ساطعة جعلت منهم «أسماء خالدة في ميادين الكلمة».
بات للشعر خارطته المفترضة التي تشكل ايحاءات شعوب بأكملها ولغة تفاهم وتطور ليكون أسلوب حياة وسلوك مجتمع.
خارطة الشعر التي تظهر وتختفي جعلت منه منهجا ثقافيا ابداعيا بعيدا عن التكسب المادي ومتاهات الشعر من أجل الأغراض الشخصية حيث بات روحاً أدبية تميز الشاعر وتتوج الأديب وتبرز المثقف.
في المهرجانات الثقافية العربية حضر الشعر كواجهة انسانية ومقام ابداعي سواء في الأمسيات أو في معارض الكتاب أو في الندوات المتخصصة حتى باتت له خطوط عريضة من التنظيم ومسارات أعرض من الفوائد الادبية واتجاهات أميز من الذائقة الأدبية فبات متابعو الشعر في الوطن العربي يحتفون بالنصوص كاحتفائهم بالمهرجانات، وبات النص الشعري المكتوب بلغة أدبية فصيحة لغة للتشارك في البحث والنقد والتذوق الادبي بكل صورة صار عاملا مشتركا للتواصل الثقافي عبر نوافذ الأدب والملتقيات.
ولكن.. في خضم تداخلات النتاج الثقافي وانقراض القيمة الأساسية لبعض النصوص تعرض الشعر الى العديد من التغيرات والمتغيرات التي حولته الى نص «مبهم» يخلو من روح الشعر ورمت به أحياناً الى ساحة النثر من فوق حواجز الضوابط اللغوية والتفعيلية إلى ساحة كلام نثري متشكل في متاهة تستعير من الشعر اسمه وتتشابه معه في طريقة السرد بعيداً عن قالب الشعر وعمق النصوص.
في مقاييس النقد وجدت العديد من الدراسات ولكنها كانت على استحياء في جانب وأخرى نقدت وكأنها تبحث عن مدلولات جديدة للتأليف وجمع الدراسات الخاصة على حساب «منتج الشعر»، وظلت الدراسات النقدية منصبة على توجيه الانتقاد بعيداً عن روح هوية الشعر ونقله من المتاهة الى الخارطة الواجبة التي تشكل هويته وتحدد مساراته وتحترم قامة النص ومقام الشعر ونتيجة القصيدة بكل أنواعها وفنونها.
ما بين المتاهة والخارطة يتأرجح الشعر أحياناً وتتباين النصوص أحايين أخرى في ظل سطوة متاهات مفتوحة لا تلتزم بجودة النص ولا باجادة المعنى ووسط غياب النقد وتغيب البحث عن الخروج من مأزق المتاهة الى حيث توجد خارطة ذهنية تعيد للشعر هيبته وتسمو به بعيداً عن الشخصنة الأدبية والتشخيص الذاتي للنصوص لتقفز به فوق أسوار المجاملات الشائكة التي تعج بها العديد من ملتقيات الثقافة.
اعادة تشكيل خارطة الشعر مهمة النقاد المبدعين الذين جمعوا ما بين الموهبة والدراسة ويملكون حسا أدبيا فاخرا ومسؤولية نقدية الزامية بنقل الشعر الى حيث النظام وتحت مظلة الثقافة الأصيلة والأدب الاحترافي بعيدا عن الاجتهادات وخنق نصوص الشعر في متاهات متجددة