نادية السالمي
يَعرف علماء النفس والاجتماع أن الإنسان يجنح إلى التكيف مع الوسط الذي يعيش فيه، ولكي يتكيف يستعين بالتشبه والاقتداء فهل سنتكيف مع البطالة والمشاريع المتعثرة بالتشبه والاقتداء بالمفسدين لنستطيع العيش في الوطن فأسرق رغيفك وأنت تسرق رغيف جارك، وجارك يسرق رغيف ابن عمه، وأخون الأمانة وتخون أمانتك إلى أن نحصل على مواطنين الواحد فيهم فاسد أو معين على الفساد ؟!.
الكذب مرتع الفساد لا يستريح
مهما بلغ به التعب:
حتى منظمة الشفافية العالمية والبنك الدولي أحدهما كذب و سرق من الآخر تعريف ظاهرة الفساد وأظهره بعد تغير بسيط، فالمنظمة تعرفه بأنه»استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة» أما البنك يعرفه بأنه:» إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص»، وعلى كل حال المعنى واحد، لكن المعنى الإنساني الحقيقي للفساد أن تمتد عينيك قبل يديك إلى لقمة غيرك لتخطفها منه ومن مستقبل أولاده، فيخسر استقراره وأمنه الاجتماعي والاقتصادي وفوق كل هذا صحته. ولا شك أننا أمام منظومة لا نراها ولكن نشعر بفسادها في المشاريع المتعثرة، والهدر المالي والبطالة.
الفساد معول هدم يهد الثقة، ويشيع الظلم ويقوي الشعور به، فيتضرر الاقتصاد والتنمية الاجتماعية للبلد مايعني تطويق رؤية 2030، وزيادة البطالة وعدم العدالة في الحصول على الوظائف وارتفاع نسبة الرشوة والواسطة _لمن لا يستحق-، وربما نصل لمسح الطبقة الوسطى من الوجود، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ترصد 762 حالة فساد ولكن، لا التعثر نهض، ولا الهدر توقف، بل أنت محاسب، ومعرض لرفع قضية عليك حتى من مطعم صورت للناس في مواقع التواصل اخلاله بأدنى مستويات النظافة، وصحفنا لا تنشر أسماء مخلو النظام فتقرأ فيها أن رجل أعمال شهير استولى على مرافق عامة دون ذكر اسمه وكأننا بهذا نوفر للفاسد البيئة المناسبة لفساده، ونشجع البقية الصالحة على المساهمة في منظومة فساد محمية ولا يمكن المساس بها!.
المسؤولية الكبرى في محاربة الفساد تقع على عاتق الدولة فهي آلة التشريع والقانون، لهذا عليها تطوير آلتها واعطاء المساحة الكافية للفرد للمطالبة بحقه من المسؤول وتنصفه في حال ظلمه، ويتقاسم المثقف مع الدولة هذا الدور وعليها أن تمنحه الثقة والحرية للمطالبة بحق المواطن وتوعيته بما له وما عليه، وبغير هذا يكون المثقف مشارك في انتشار الفساد إما لعدم نضجه بما عليه وما له، أو بداعي الخوف ونقص الجرأة، أو لأنه عضو في الفساد. حصلت مبادرات في الوطن العربي من المثقفين لمحاولة الحد من الفساد مثل «أنا يقظ» «في تونس أو مجتمع خالي من الفساد» في البحرين لكنها مازالت ضعيفة أمام سيل الفساد، ونحن نملك هيئة رسمية لمكافحة الفساد «نزاهة» لكنها بنصف عين وربع يد وليس لها أقدام، لهذا لم تنشر تقريرها السنوي في 2016 حفاظا على سمعة بعض الأشخاص ...تقصد سمعة «الفاسدين»! فليتنا نلغيها لأن عجزها عبء اضافي يتقاسمه من يركضون للحاق بحقهم في الحياة.
الاستفهام المر يحرره نجيب محفوظ ومحمد الماغوط:
بعض الأجوبة تموت قبل ميلاد الأسئلة، فهل عرف هذه الحقيقة الأستاذان نجيب محفوظ القائل:»إننا نستنشق الفساد مع الهواء فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟!» والأستاذ محمد الماغوط «هل هناك طبيب أنف أو عيون أو حنجرة يفسر سر بعض المآقي التي تظل مغمضة أيامًا وليالي عن الرشوة والفساد في هذه الدائرة أو تلك وما أن تشم أو ترى كلمة نقد حر حتى تفتح فجأة وتصير باستدارة زر المعطف دهشةً واستنكارًا»