قاسم حول
في الحادي عشر من شهر أغسطس 2017 رحل السينمائي اللبناني جان شمعون. وفي أربعينيته أقام نادي لكل الناس في بيروت أمسية سينمائية والفقيد من مواليد 1944 حصل على شهادة الإخراج السينمائي من جامعة باريس وشهادة الفنون الدرامية في لبنان. عاد إلى لبنان في الأيام الأولى لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان في السبعينات من القرن الماضي، وسرعان ما انتمى سينمائيا وفكريا إلى تجربة السينما الفلسطينية فعمل مع وحدة أفلام فلسطين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. فأخرج أول أفلامه الوثائقية «تل الزعتر» وقد أخرج فيلما روائيا واحدا هو «طيف المدينة» حيث كانت معظم أفلامه تنتمي للسينما الوثائقية، باستثناء فيلم «أرض النساء» الذي مزج في أسلوبيته بين الوثائقي والروائي. ومن أفلامه الوثائقية «رهينة الانتظار، أنشودة الأحرار، تل الزعتر» كما شارك الإخراج مع زوجته الفلسطينية «مي مصري» في الإفلام «تحت الأنقاض، وزهرة القندول، وبيروت جيل الحرب، وأحلام معلقة، ويوميات بيروت.
منذ فترة ليست بالقصيرة مرض جان شمعون وأصبح غير قادر على الحركة وهو في شبه فقدان للذاكرة، ومنذ تعرضه للمرض الصعب، توقف عن مواصلة نشاطه السينمائي، ولم يتمكن من مواصلة إبداعه السينمائي. مارس النشاطات الإذاعية حينا مع الفنان زياد الرحباني ومارس مهنة التدريس حينا آخر لطلبة الفنون. وكان حقيقة شخصية وطنية يدافع عن قناعاته ويعبر عن اعتزازه بالقضية الفلسطينية، وكان اقترانه بالفنانة الفلسطينية «مي مصري» تعبيراً ضمنيا عن حبه لفلسطين. وقد شاركها في أفلامها التي تنتجها عن القضية الفلسطينية.
في بيروت نعت رحيله منظمة التحرير الفلسطينية. وجاء في رثاء النعي «منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان تنعي المناضل الكبير المخرج جان شمعون – منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وبمزيد من الحزن والأسف تنعي جماهير شعبنا اللبناني والفلسطيني المناضل الكبير المخرج السينمائي اللبناني جان خليل شمعون الذي توفى عن عمر يناهز 74 عاما أمضاها مناضلا من أجل الحرية والتحرر في خدمة لبنان وحمل خلالها على عاتقه قضية فلسطين التي انتمى إليها بعقله ووجدانه وقلبه حتى الرمق الأخير من حياته. إن الراحل الكبير جان شمعون كان رائد السينما الوثائقية الملتزمة مع زوجته السينمائية الفلسطينية مي المصري اللذين أخرجا وأنتجا مجموعة من الأفلام الملتزمة بالقضايا الوطنية اللبنانية والقضية الفلسطينية ومن أبرزها تل الزعتر وأنشودة الأحرار ورهينة الانتظار وتحت الأنقاض وبيروت جيل الحرب ويوميات بيروت وأرض النساء الذي قارب حكاية ثلاث مناضلات فلسطينيات أولهن كفاح عفيفي الأسيرة المحررة من معتقل الخيام وفدوى طوقان أولى شاعرات فلسطين وسميحه الخليل إحدى رائدات المقاومة الاجتماعية والثقافية والشعبية ضد الصهاينة. ومن الأعمال العظيمة التي أرخت ووثقت لمراحل تاريخية وهامة من عمر المقاومة والنضال الفلسطيني اللبناني المشترك في مواجهة العدو الصهيوني وجرائمة الموصوفة قبل وأبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وما بعده ولفصول المعاناة الفلسطينية في مخيمات اللجوء والشتات التي نالت الكثير من الجوائز العالمية وعرضت في أكثر من مئة بلد في العالم وقد نال جوائز عالمية عن مجمل أعماله. رحل المناضل الكبير جان شمعون مخلفا وراءه إرثا سينمائيا وثائقيا يعتد به، له حضوره المتميز بأنه واقعي وميداني وكان من أكبر الرجال حماسة للقضية الفلسطينية والقضايا الثورية والإنسانية فهو اللبناني الولادة والنشأة والفلسطيني الهوى والهوية والانتماء ، ولم يكن غريبا يختار المناضلة الفلسطينية مثله مي المصري لتكون شريكة لحياته. إن رحيل المناضل الكبير جان شمعون خسارة كبرى للبنان وفلسطين والأمة العربية خسرت بوفاته اليوم وأبدا في ثقافة السينما اللبنانية والفلسطينية الوطنية الوثائقية والملتزمة. وبهذا مصاب الجلل نتقدم بأحر التعازي وخالص المواساة المناضلة مي المصري ولعائلته سائلين لهما الصبر والسلوان، ونتقدم بأحر التعازي للشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني بذه الخسارة الكبري – فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، العاشر من شهر آب 2017» لقد واكبت السينمائي الراحل سنوات كثيرة كنا خلالها نحضر المهرجانات لعرض الأفلام عن القضية الفلسطينية، ولعل أهم ما يميز شخصيته، تفاؤله بالمستقبل وضحكته الدائمة وأحيانا الساخرة. للأسف قبل رحيله بسنوات تمكن منه المرض العضال وحال دون تمكنه من مواصلة عطائه السينمائي وبشكل خاص في مجال الفيلم الوثائقي الذي كان يميل إليه كثيرا وكان يقول إنه الأكثر تعبيرا عن الواقع بشكل صادق .. وداعا جان شمعون آخر عنقود السينما اللبنانية والفلسطينية في لبنان السبعينات.