د. صالح بن سعد اللحيدان
لا تنفك اللغة عن مدارك العقل فهي تحتاجه حاجة الحي إلى الماء من إنسان وحيوان ونبات
والعقل في أصله غريزة وهو موهبة تكون مع الإنسان وهو في الرحم وهذا ما عرفه المختصون في سياسة تشخيص العقل وبحث أصوله ومراميه .
والعقل إذا كان سليماً ونشأ صاحبه منذ النعومة على سياسة التربية الحرة الواعية المكينة فإنه ليس بحاجة إلى زمام يربطه أو إلى حد يحده أو إلى ما يوجهه لأنه هنا إنما ينطلق من الغريزة الموهوبة في الكينونة الأصلية
والعقل في أصله إنما هو جماد يدرك ويعي ويحيط خبراً بما يكون فيه من خلال الفطرة الصواب والعلم الصحيح والطريق السليم
ولهذا كان العقل في صفاته الأولى يخطم زمام القلب كما يخطم زمام العاطفة ويقف حجر عثرة في سبيل الهوى والحيف وإيقاع العادل حتى على القريب الذي لا ترى إلا هو .
والعقل إنما يحتاج إلى الزمام والرعاية ذلك إذا كان هذا العقل قد وقع في مهب الريح ينشد صاحبه الذاتية
والمصلحة والمزوع إلى القوة يحب الجاه فالعقل هنا دون ريب يحتاج إلى الزمام وإلى من يحدو به
إلى الصحيح في القول والعمل والاعتقاد .
ولذلك من الصعب جداً الحكم على أحد بأنه عاقل من خلال ما يظهر للناس من حالات وأوضاع وصفات
لأن القلب هنا هو المسيطر والعقل قد تم إبعاده
ومن الصعب جداً حسب دراساتي في سلوكيات العلماء وسياسة الإدارة العليا والقضاء الجنائي بأن نصف بأن مثل هذا من العقلاء إلا إذا كنا من ذوي الخلفية العجولة في الحكم على الصفات والأوضاع والحالات لنعطيها صفة العقل ذاتياً وهذا شائن مشين.
ولذلك يقع كثير من الساسة وأهل العلم في ذات الخطأ لأن المصلحة أحياناً تقتضي لصاحب هذه الصفة أن يتلون ويتقن هذا التلون أيما إتقان .
والعقل حينما أريد وصفه إنما أركز على ذاتية خلقه وإيجاده لدى الإنسان وهذا جزماً يعطيني فسحة من أمل عريض بأن العقل صفة ذاتية يعرفها صاحبها إذا خيمت عليه الحجب وبقي وحده فيحس بأن العقل كامن فيه مثله مثل الحظ سواء بسواء
من هذه الحيثية أزعم كما زعم غيري من العلماء المتخصصين بأن العقل منحة تتمثل في إيقاع الشيء في موقعه حتى ولو كنت لا أريد ذلك الشيء بل أنفر منه وذلك هو حقيقة إبعاد العاطفة وإبعاد القلب أن يحكما نظر العقل المكين في واقع الحال وواقع المأل
والعقل هنا في هذه الحال هو ما يجعل كثيراً ممن يزعم العقل أو يبحثه يتهربون من وصف إلى وصف
ومن حال إلى حال ومن نظر إلى نظر ليقولوا ما نقوله أو نبحثه هو العقل عينه بعلمه دون نكير .
ولعل الذين ساسوا الدراسات منذ أقدم العصور عن العقل جزموا أو أكاد أقول إنهم جزموا أن العقل خلق
يوجد في القلب هذا مكمنه لكنه معنى من المعاني وليس ذاتاً من الذوات ولهذا ركزوا على حالاته إلى منها
أولاً: قوة الاعتبار مع قوة النظر
ثانياً: عمق الاعتبار وشدة التأثر
ثالثاً: طول الصمت والسمت والدل
رابعاً: الإحساس بمن يرافق أو يصاحب إحساسه بالأمن
خامساً: شدة التوقي ونبذ ذاتية الاتجاه
سادساً: شدة الحذر من تكرار الخطأ في ذات الحال أو في أحوال متعددة
سابعاً: ضبط النفس من خلال الحكم وعدم الركون إلى إيحاء العاطفة
ثامناً: الاعتبار بالنظر إلى ثلاثين سنة قادمة مثلاً فلا يتكرر الخطأ بحال ما
تاسعاً: الرأفة والرحمة وبسط الوجه لكل من يحتاج إلى ذلك ولو كان مكروها لدي
عاشراً: قلة الكلام وإطالة نظر العواقب
الحادي عشر: الصبر الواعي على الحسد ووشاية كل قريب وزميل
ولننظر قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} الآية.
والآيات والآثار في الكتب الستة وعند أحمد وعبدالرزاق وبن ابي شيبة ومسدد بن مسرهد وعبد بن حميد
وابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط كثيرة متوافرة يدركها وقد أدركها من نظر وتدبر واعتبر.
ولا شك أن طغيان العجلة ونشدان الذات وحب الظهور تلك هي ولا جرم هي ما يجب ان تبعد عن مشارب العقل بل هي ما يجب أن تنسف في اليم نسفاً.