فيصل أكرم
لأن الفنون كلها باتت متاحة على الشاشة المحمولة أينما ذهبنا، كنتُ أشاهد مسرحية من مسرحيات الزمن الجميل، أنا وصاحبي، وأمامنا الكمبيوتر، قال لي صاحبي بعد إسدال الستارة: كانت مسرحية وعظية. قلتُ: كل المسرحيات لا بد لها أن تأخذ طابع الوعظ المباشر. قال: لماذا؟ قلت: لأن المسرح يحضر إليه الجمهور، وطاقم التمثيل يؤدي عمله أمام جمهور، تماماً كالأمسية الشعرية، تجد الشاعر يرحب بالجمهور قبل البدء في قراءة قصائده ثم يشكرهم في ختامها ولا أحد يدري لماذا يرحب ولماذا يشكر؟ هل جاء أحدٌ للترحيب والشكر؟ قال صاحبي: هي لباقة لا بد منها. قلتُ: ولكني لا أجيدها، ولا أحبها، كلما اضطررتُ إلى إحياء أمسية بدأتُ مباشرة في قراءة قصيدة ثم إذا انتهيت منها قلتُ شكراً بصوت خافت يبدو جلياً أنه موجه للساني إذ ساعدني على النطق فأنا غير معتاد على استخدامه في قراءة الشعر أو حتى كتابته. قال: وهل كانت المسرحية شعرية؟ قلتُ: لا. قال: ولماذا تتكلم عن الشعر وأنا أسألك عن المسرح والوعظ المباشر فيه؟ قلت: الشكر والوعظ وجهان لغرض مباشر من أغراض (رعاية) الناس. قال صاحبي وهو يلاحظ إشارتي إلى الهلالين في مفردة (رعاية): هل يرعى الفنانون المتلقين؟ قلتُ: ليس تماماً، إنما هم يتصورون ذلك حين يجدون الجماهير تصطف أمامهم حضوراً لمطالعة فنونهم!
عاد صاحبي إلى الموضوع يقول: ولكن الأفلام السينمائية ليس فيها هذا الوعظ المباشر الذي نتلقاه في المسرح. قلتُ: وكذلك الدواوين الشعرية، تدخل بك إلى القصائد وتنتهي بك إلى فهرسها دون ترحيب ولا شكر. قال: عدتَ إلى الحديث عن الشعر؟ قلتُ: وعمّاذا تتحدّث أنت؟ قال: كنتُ أتحدّث عن الفن!
* * *
عمّاذا كنا نتحدّث؟
ونسيتُ الشرفةَ والأبوابَ
نسيتُ الضوءَ
ولم أنسَ النغماتِ الأولى
لثغةَ طفلٍ يفهمُ أنَّ الصوتَ حلالٌ
حينَ يكونُ الصمتُ حراما
يفهمُ أنَّ الضوءَ سماءٌ
حينَ تكونُ الأرضُ ظلاما
كِدْتُ أذكّرُ عينَ الصبحِ بجفنِ الغابةِ
كان الأبعدُ أطولَ منّي
لكن، كنتُ أراهُ من الإبهامِ إلى السبّابةِ
لم أعرفه قُبيلَ الأمسِ
ولن يعرفني بعدَ البُعدِ
وهذا الشارعُ يجمعُ فينا كلَّ لقاءٍ
فلنتعارف:
أنتَ تراني؟ قلتُ له
فقالَ أراكَ غريباً، مثلَ الضوءِ
وكيفَ يكونُ الضوءُ غريباً؟
كنتُ أغنّي..
وكانَ، وكنّا.. نتحدّث.!