محمد عبد الرزاق القشعمي
تكرمت المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة بعددها 550 الصادر يوم السبت 27 من شهر ذي القعدة 1438هـ الموافق 19 أغسطس 2017م بتكريم شخصي المتواضع والضعيف تحت عنوان : (محمد القشعمي .. مداده الوفاء) . وكعادة المجلة قبل سنوات أي منذ صدورها كمجلة قبل عقد ونصف بل من قبل عندما كانت ضمن صفحات الجريدة الأم (الجزيرة) في تخصيص بعض أعدادها للتكريم والإحتفاء بالرواد وعدد من المثقفين وفاءاً وتقديراً منها لهم وتحفيزاً لغيرهم فهذا يعد قمة الوفاء والتقدير والاعتراف بفضلهم ودورهم الاجتماعي لدفعهم للمزيد من العطاء والبذل وإشعارهم بأن جهدهم لا يضيع بل هو مذكور ومشكور.
كل هذا ملاحظ وملموس لمن تم تكريمهم وإبراز جهودهم من سنوات طويلة وهم بلا شك يستحقون أما صاحبكم فهو لم يصل إلى ما وصل إليه من سبق واستحق هذا التكريم .. فهو، والحق يقال، ما زال في أول الطريق ولم يقدم ما يشفع له بهذا التكريم الباذخ ..
ولعل الجزيرة ومجلتها الثقافية تعتبرني عند تكريمي من أبنائها أو ممن تربى وعاش في بلاطها.. إذ هو من تعلم الحبو والمشي بين صفحاتها بدءاً من عام 1419هـ عند تبنيها تكريم الرائد عبدالكريم الجهيمان – رحمه الله – ودعوتي للمشاركة بالكتابة عنه لأول مرة بحكم علاقتي الوثيقة به .
لا أملك ما أقدمه للجريدة ولمجلتها الثقافية إلا كلمة شكر من الأعماق إذ يعود لها الفضل أن فتحت لي الباب عن طريق الدكتور محمد الدبيسي والذي تحول بعدها وغيره إلى أصدقاء أعزاء .
اقدم الشكر والعرفان لربان السفينة الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير ولمدير تحرير الثقافية الدكتور إبراهيم التركي وزملائه الأفاضل سعيد دحية الزهراني وصالح الخزمري وحمد الدريهم على كرمهم وتحملهم مشقة إعداد وتنفيذ هذا الملحق بدءاً بدعوة من كتب حتى خرج إلى النور .
عندما نمى إلى علمي وأنا أرقد في المستشفى أن المجلة الثقافية تنوي دعوة من يحب المشاركة في الكتابة عن شخصي الضعيف تشاءمت واعتقد أن هذا عبارة عن تأبين قبل الأوان فتذكرت مجلة الجزيرة لشهر ربيع الأول 1381هـ عندما رثت صاحب مجلة الرسالة بمصر أحمد حسن الزيات بمقالين أولهما للشيخ عبدالله بن خميس والآخر لعبدالرحمن المعمر بعنوان : (مات صاحب الرسالة) و(مات الزيات) فذكروا محاسنه وعددوا مناقبه وترحموا على الرسالة ودورها الثقافي على مستوى الوطن العربي .. وفي الصفحة الأخيرة نجد المجلة تكتب تحت عنوان : (لم يمت الزيات) : (( علمنا بمزيد الغبطة والمجلة على وشك الصدور أن ما أشيع عن موت الزيات غير صحيح وهذه بشرى تطفح بها نفوسنا وتسر بها أفئدتنا ويعود لها ما فقدته من أمل وما غاب عنها من سرور .. )) ، وفي العدد التالي يكتب لهم الزيات شاكراً لهم مشاعرهم .. قائلاً انه سيموت قرير العين إذ وجد من يرثيه ويعطيه قدره ..
صحيح أنني مررت بحالات مرضية صعبة رأيت فيها ما لم اعتده من ضيق في التنفس وفقدان للشهية وهزال من كثرت الأدوية وبالذات تعدد أنواع المضادات الحيوية رغم حرص البرفيسور فيصل القصيمي وفريقه الطبي إلا أن الفرق المساعدة من تمريض ومختبر وصيدلية وغيرها لم تكن على مستوى حرص ومتابعة الفريق الطبي .
تذكرت ما سبق أن كتبه معالي الأديب محمد عمر توفيق (46 يوماً في المستشفى) وهو يذكر ما عاناه في المستشفى الأمريكي في بيروت في الخمسينيات الميلادية – إذ صور في دقة وانفعال مأساة مرضه ، واللمسات الحانية التي عالجت جراح روحه وجسمه على السواء . إذ قال عنه عبدالله عبدالجبار في التيارات الأدبية : (( .. وأسلوبه في هذه الذكريات خفيف رشيق، وهي صورة قلمية تتجلى فيها الذاتية أكثر من الموضوعية.. )) .
لقد طلبت من أولادي الذين كانوا يتناوبون على مرافقتي بالمستشفى احضار بعض الكتب المختارة ، فقد سمحت لنفسي بإعطاء مفتاح المكتبة الخاصة بالمنزل للابن باسل وطلبت منه ان يقرأ عناوين الكتب الموجودة في مكان معين بها لأختار ما لم اقرأه من قبل وفعلاً أصبح كل بضعة أيام يعيد ما قرأته ويحضر لي غيرها. ففي الأيام التي يكون الألم خفيفاً كنت اقرأ كتاباً أو اكثر يومياً وأحياناً يمر أسبوع لا اقرأ فيه شيئاً ، وعندما أوشكت على الخروج بعد 100 يوم وجدت أنني قد قرأت ما يزيد على40 كتاباً أغلبها روايات وسير ذاتية ومذكرات لمختلف الأدباء العرب .
لقد كنت أعاني ضيق التنفس (الربو) من مدة وكنت معتاداً على مراجعة المستشفى مع بداية فصل الشتاء ، ويطلب الدكتور القصيمي الذي تطورت علاقتي به إلى صداقة إبقائي بالمستشفى تحت اشرافه لبضعة أيام لا تزيد على العشرة ولكن هذه المرة طالت المدة وتسلل الملل وضاقت النفس ، ونزل وزني من 54 إلى 44 ، والدكتور يشجعني على المزيد من الأكل حتى ولو بكميات قليلة ولكن الشهية سريعاً ما تفقد .
لقد كان لما كتبه بعض الأصدقاء بالجزيرة الثقافية وبالذات حمد الدريهم بعنوان : (الصداقة والوفاء ) في 22 أبريل 2017م أعقبه الدكتور عادل العلي بعنوان (الفرح المتجدد ، هل يستوي الذين يفرحون والذين لا يفرحون) في 29 منه، وما كتبه بجريدة اليوم في 8 مايو الصديق فهد السلمان تحت عنوان (القشعمي أيقونة الثقافة الوطنية) مما رفع من معنوياتي مع زيارات بعض الأحبة من أصدقاء وأقارب رغم محاولتي الاعتذار عن مجيئهم إذ يكفي الاتصال الهاتفي وأحياناً لا أستطيع محادثتهم إذ كان الدكتور يطالب بالتقليل من الكلام حتى لا يزيد الإجهاد.. لقد مرت حالات أفقدتني القدرة على المشي وعلى الأكل والشرب وحتى على التنفس ولكن رحمة الله قريبة، وبتشجيع من الدكتور قللت من استخدام جهاز التنفس الصناعي وجهاز الأكسجين .. ثم طلب مني الخروج مؤقتاً للمنزل ولو لساعات وبعدها ليوم ثم لعدة أيام حتى تعود الجسم على عدم الاعتماد على الأجهزة المساعدة، والحمدلله خرجت بعد أن قضيت في المشفى ثلاثة أشهر وعشرة أيام .
وبعد مضي قرابة الشهرين من خروجي وبداية مزاولة عملي ولو بشكل بسيط ومحدود فوجئت بالمجلة الثقافية وهي تحمل باقات من الورد مهداة لي من الأصدقاء الأساتذة وهم : مع حفظ الألقاب :
محمد العلي ، وعبدالواحد الحميد ، وإبراهيم التركي ، وسعد البازعي ، وعبدالرحمن الشبيلي ، ومحمد الدبيسي ، وأحمد الدويحي ، وأحمد الشخص ، ومحمد صالح الشنطي ، وعبدالله الوشمي ، وعبدالله ثقفان ، وأحمد التيهاني ، وعلي الرباعي ، ومحمد علي قدس ، وعلي الدميني ، وجبير المليحان ، ومحمد الهلال ، ومحمد عبدالكريم السيف ، ويوسف حسن العارف ، وفيصل مرغلاني ، وعبدالعزيز الصقعبي ، وعبدالله فراج الشريف ، وعبدالله سالم الحميد ، وعلي حمود العريفي ، ورياض العلي ، وسلطان سعد القحطاني، وعادل العلي ، وفهد السلمان وعبدالله محمد العبدالمحسن ، وزيد الفضيل ، وعزيزة فتح الله ، ومحمد الجلواح ، وسعيد دحية الزهراني ، ويعرب القشعمي . لهم مني جميعاً الشكر والعرفان متمنياً أن أكون عند حسن ظنهم وراجياً لهم الصحة والعافية، وألا يريهم مكروهاً في عزيز.
مرة أخرى.. أشكر للجزيرة ولمجلتها الثقافية والعاملين بها ولجنديها المجهول عبدالرحمن المرداس. راجياً أن تواصل المجلة مسيرتها وأن تعود كما عودتنا على تكريم الرواد والمستحقين لكلمة شكر لما قدموا وإلى المزيد.