كنت سابقا ممن ينادون بمحاربة البيروقراطية والنفعية بكافة أشكالها الظاهرة ولكن تغير الأمر حينما دخلت في بيئة الأعمال ومراجعة الدوائر الحكومية، فقد وجدت أنّ لها فائدة كبيرة فالخبر المفرح حينما أعلم أن لديَ معاملة في وزارة أو دائرة حكومية يعمل بها أحد الذين أعرفهم لعلمي المؤكد أنّ من «واجبه» خدمتي وإنهاء معاملتي التي بين يديه أو توصية زملائه إذا كانت لدى أحد منهم أن «يتجمل» معي!.
أعتقد أن أسباب انتشار هذا النوع من الوساطة «العفوية» مشترك فهو ثقافي وإداري بالدرجة الأولى وأقول ثقافي لأن الروابط الاجتماعية في المملكة خاصة ودول الخليج بشكل عام متينة ومتنوعة عوضا عن أننا مجتمع يحب تكوين العلاقات بشكل عام.
المشكلة هنا ليست في المراجع أو طالب الخدمة وإنما في مقدم تلك الخدمة فلو عمل الموظف على إنجاز مهامه بشكل متقن وفعال لكفى الكثير همّ التوسط والبحث عن المعارف.
وهذا لا يكون إلا من خلال رقابة فعالة وحوكمة مباشرة تضبط بها عملية «الرقابة على الإدارة» ليتم صنع عقلية مهنية وصورة ذهنية عامة لأسس العمل الحديث المنتج وتقييم الأداء وتفعيل العقوبات المنصوص عليها بالأنظمة التي تغطي القطاع حسب الاختصاص.
وأعتقد أن توجّه المملكة في رؤيتها 2030 لم يغفل ذلك وفعّل دور الرقابة ومقاييس الأداء بشكل عام والأهم من ذلك هو جدية التفعيل وظهور نتائج وآثار حقيقية لذلك.
أخيرا لا نستطيع أن نغير ثقافتنا المتراكمة عبر القرون إلا بمحاولة الالتفاف عليها ومعالجتها بمفاهيم الإدارة الحديثة والتي جاءت الحوكمة في صدارتها هكذا نستطيع أن نمضي قدما بدون أن نشعر بالغربة حين مراجعتنا لمؤسسة حكومية لا نعرف فيها أحد مع تعزيز ذلك لمفهوم المواطنة الصالحة هكذا نستطيع أن نحارب الفساد «العفوي» الظاهر حتى نحاصر الفساد الحقيقي الخفي المستفحل وراء الأبواب الكبيرة الغلقة!
** **
- خليل الذيابي