حين تكون الإرادة أقوى من السجن!
الموت ليس معضلة، إن البقاء هو المعضلة الكبرى!
هذه هي فكرتي الأولى التي تناهت إلى عقلي، ورسخت في فكري وأنا أقرأ رواية «شرق المتوسط» للكبير الراحل عبد الرحمن منيف، ربما لأن الفرد في جفرافية كهذه، وظرف زمني كهذا سيشعر بأن بقاءه معضلة، وأنه أقرب إلى الموت دون أن يناله.
لهذا يمكنني القول إن هذه الرواية تعتبر علامة فارقة في أدب السجون الذي طرقه قبله وبعده كثيرون، ومن خلال قراءتي لهذه الرواية انبثقت تساؤلات قارئ مندفع لا يقاوم شغفه ولعلها جاءت فوضوية مثلما بعثت في صدري مشاعراً فوضوية ومبعثرة فكانت كما يلي:
من يستطيع أن يرمم إرادة إنسان مهزوم في هذه الحياة؟ للحد الذي يجعله يعبر بين دهاليز الزمن ويجتاز عقباته، فيهرم الوقت دون أن تشيخ قوته، ويمضي إلى موته حاملاً في كفه آمال الحرية والاطمئنان والسلام، وفي قلبه شتلات أشجار سوداء، تتغذى من دمه الذي سال من جروحه.
ولعل تلك الإرادة الجبارة لن تعجز عن نسيان قمقم الاستبداد والطغيان الذي لم يستطع ضيقه أن يكسرها. فالإرادة الإنسانية حين تعمل تصبح هي الإنسان ذاته، إنما تختلف عنه بتجاوز المخاوف الفطرية الطبيعية، والقدرة على التحمل بشكل يفوق الحد الاعتيادي للإنسان العادي، وهذا ما قاله عبد الرحمن منيف في روايته حين كتب: «لا لست إنساناً، السجن في أيامه الأولى حاول أن يقتل جسدي، لم أكن أتصور أني أحتمل كل ما فعلوه، لكن احتملت، كانت إرادتي وحدها هي التي تتلقى الضربات، وتردها نظرات غاضبة وصمتاً، وظللت كذلك، لم أرهب، لم أتراجع»
ولا يوجد على الإطلاق اختبار لإرادة الإنسان أشد قسوة من اختبار السجن، حين تكون الأيام والليالي مشحونة بالقلق والترقب والانتظار والخطر، حين يتعلق الزمن بين المصائر المجهولة، ورائحة الدماء تزكم الأنوف وأخبار «السواد» تنتشر بين السجناء بسرعة انتشار النار في الهشيم، هنا فقط يمكن أن تولد الإرادة من جديد، وهنا من الممكن أن يفقد الإنسان إرادته إلى الأبد، وإن فقدها في مكان كهذا ليس عيباً ولا ضعفاً ولكن ترميمها معجزة كبرى!
** **
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@AaaAm26