هاني سالم مسهور
تصاعد خطاب التطرف والكراهية دينيّاً ومذهبياً وسياسياً، وما يقترن بذلك من ممارسة العنف بكافة أشكاله، وانجراف بعض شعوب المنطقة العربية إلى حروب أهلية، أو في نزاعات قبلية قديمة يجرى إحياؤها من مرقدها، واستشراء مظاهر الاستقطاب في عدد من المجتمعات العربية على أسس مذهبية ودينية وعرقية بما يحمل في ذاته نُذر التقسيم الجغرافي، وتهديد الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين على اختلافهم وتنوعهم، هذا التصاعد يُلزمنا بالتصدي لهذه الظاهرة التي باتت تهدد الأمن والاستقرار بل أن واقعنا يقول بأن نتيجة هذا الخطاب المتطرف أوصلنا إلى معايشة مئات الآلاف من عمليات القتل والتهجير والتشريد وتفاقم الأمراض وتزايد معدلات الفقر والبطالة في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
شكل ثالوث الفقر والجهل والأمية المسببات الرئيسية لأزمات المنطقة العربية، وهذا يعود لغياب الاستراتيجيات الوطنية التي كان يعول عليها أن تقدم حلولاً ترتكز على التعليم كحجر زاوية في التنمية الوطنية، تراكم محطات الفشل التنموي اقتصادياً وثقافياً واجتماعيًا أدى بطبيعة الحال إلى تفجر أزمة الخطاب المتطرف الذي حصدته المنطقة العربية للأسف الشديد.
مواجهة هذا التصاعد المخيف لخطاب التطرف والكراهية يستلزمه تحديث في الخطاب المقابل خطاب البناء والمعرفة، خطاب يجب أن يرتكز على الفعالية في التغيير نحو التنمية وإظهار هذه الأعمال للعيان وأن يشارك فيها المواطن العربي عبر برامج تأهيل تعيد الثقة في الإنسان العربي وقدرته في إعادة تشكيل الواقع، فبالاعتماد على التوازن المعرفي بين العلوم الطبيعية والإنسانية وتربية وجدان النشء على تكوين المهارات الإبداعية والفنية، وترسيخ ثقافة الديمقراطية، وعبر تحديث النظم التعليمية بهدف تعزيز قيم التعددية والتعايش الإنسانى، وبغرس مبادئ التربية المدنية في مناهج التعليم سنبدأ في المنطقة العربية من وضع أقدامنا نحو استقرار حقيقي نتيجة احترام لذات المواطن.
من الأهمية بمكان ترشيد الخطاب الإعلامي من خلال توجيه المؤسسات سواء الوطنية أو الخاصة على أن يبذل الإعلام أقصى درجات البذل السخي نحو تعزيز ثقافة الحوار والقبول بالآخر، بإطلاق مبادرة عربية لمراجعة المعايير المهنية والأخلاقية وسنّ التشريعات التي تجرّم نشر المواد الإعلامية التي تبث الكراهية وتحرِّض على العنف، وتدشين برامج إعلامية مشتركة بين وسائل الإعلام العربى تفند فكر التطرف، وتهتم بقضايا العلم والتنوير، وتكشف الممارسات اللا إنسانية المنافية للدين والأخلاق والقيم التي تمارسها التنظيمات المتطرفة ضد المواطن العربي.
لقد ضرب التطرف والإرهاب بكل أشكاله وأبعاده أرجاء واسعة من الوطن العربي حاصداً الكثير من الضحايا، عابراً للحدود والدول، ومخلفاً الكثير من الخسائر، وذلك تحت شعار نشر الديمقراطية، كما أن الإرهاب ليس مرتبطاً بفئة أو بشعب معين أو ثقافة معينة، فإنه من الواجب علينا أن نشكل قوى مناهضة وجسر تواصل بين المفكرين المتنورين لبحث أهمية هذا الخطر الكبير والعمل معهم للوقوف بوجه كل فكر معتدٍ غاصب.