علي الخزيم
فكاهة ممتعة وخفة دم ملفتة أبداها الشعب السعودي بالآونة الأخيرة - كعادته في المستجدات - لا سيما أعقاب الأمر السامي الكريم القاضي باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية بما فيها إصدار رخص القيادة للذكور والإناث على حد سواء، فئة من الشباب وجدوا فرصة لإسقاط الحس الفكاهي والتعابير الطريفة والنكات (شبه) الساخرة على أوضاع مُتخيَّلة للفتيات وللمرأة عموماً حال قيادتهن للسيارات وما يُحتمل أن يتعرضن له من مواقف طريفة ومحرجة - بزعمهم - بداية سريان القرار، وأرى أن تبادل النكات والطرائف بين الجنسين أمر مقبول نسبياً إذا ما خلا من التجريح والإساءة، ولم يلامس الخطوط الحمراء لحدود الآداب العامة والأخلاق الإسلامية والعادات والأعراف السائدة بالمجتمع، ولم تسلم الفتيات بكل الأحوال من هجمات كوميدية شبابية عند كل مناورة أو مناوشة كلامية لطيفة بين الجنسين، مما يشير إلى فهم متبادل ومتقدم بين الجناحين، وإن كان المتابع يلحظ أحياناً مبالغة من بعض الشباب في النقد اللاذع والتعليقات تجاه الفتاة ما يتجاوز محيط الدعابة المقبولة بين شباب وشابات الوطن، ومن الواضح أنّ الفتيات أقل اندفاعاً بحجم وكثافة الهجوم غير أن تعليقاً واحداً من إحداهن قد يكفي لرد وصد هجوم عشرات المعلقين الشباب، فالعبرة عندهن بالمضمون وليس الكم!
ومما لا يُقبل بحق بنت الوطن أن يعمد معارضون (في داخلهم) لقيادة المرأة للسيارة إلى بث ونشر رسوم ورسائل وأقاويل منسوبة لأئمة وعلماء تصد المرأة وتشككها بأمرها وأخذها بما اختاره ولي أمرها وعلماء الأمة لصالحها وصالح الوطن بعامة، وذلك حينما تلبَّستهم الخشية من الإفصاح والتصريح بذلك، في حين أن المرأة لم تكن كذلك من الحدة بالرأي ضد هؤلاء عندما يُعلن عبر الصحافة والإعلام عن نواحي قصور بأدائهم الوظيفي أو مخالفات وتجاوزات نظامية وشرعية وأعمال قد تمس أمن الوطن والمواطن، فلزمت غالب النساء الصمت وتركن الأمر لأصحاب الشأن والقرار، بمعنى أن المرأة السعودية لم تشمت بهم ولم تنشر ما يساعد على فضح تجاوزاتهم، في حين أن منهم من يرى أن المرأة ترتكب منكراً بالقيادة التي يجيزها الشرع فيُشنِّع بها وعليها، ولم يلتفت لما يفعله المتجاوزون المخالفون حتى للقواعد الشرعية في أعمالهم وتعاملاتهم وركاكة انتمائهم للوطن.
ومما يلفت من أقوال بعض العلماء الشرعيين الوسطيين ممن تفهَّموا وتفقَّهوا بواقع الأمة ومآلات الأشياء والأمور المتعلقة بمصلحة الفرد والمجتمع؛ ما أدلى به إمام وخطيب مسجد قباء الشيخ صالح المغامسي حينما قال: إنه لا ينبغي لأحد أن يقرأ هذا الأمر السامي مجزّأ، ولا يستطيع أحد القول بتحريم قيادة المرأة عيناً، وأضاف: وآخرون جُبِلوا على الخوف من التغيير، ولا يتَأتَّى في النظر الصحيح ولا يجوز تحميل العموم جريرة هذه التَّحفظات، وإلّا لحُرِمَ الناس من عموم الوسائل المباحة خشية توظيفها سلباً من قِبَل قِلَّة، فيُحْرَم الأغلبية من الانتفاع المباح الشرعي الذي كفله لهم الشرع، الذي جاءت قوة النظام من الدولة متماشيةً معه.