أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: إنَّ صوت الدكتور (حبيب حداد) يَعْلُو وينتشر في هذه الأسابيع في وسائل الاتِّصال المرئيِّ المسموع مع استعراضٍ لما حَرَّره من مقالاتٍ كثيرة بصفتِه شاهِدَ عِيانٍ وممارسةٍ لأعباء سوريا والعراقِ وما امتدَّ إليهما مِن مِصْرَ أيام الوحدة التي انْقَضَتْ وانْتَقَضَت بأسرع من كرَّة الطرف.. ولا ريب أنَّ ابتلاعَ العراق منذ الحريق العربي الذي يسمُّونه إفْكاً وزوراً (الربيعُ العربي)، وماسَبَقَه مِن أبجديَّاتِ كتاب (إعادَةُ البناءِ) هو بدايةُ إنذارِ الأمَّةِ العربية والإسلاميةِ؛ ليسْتَعدوا لاجتياحِ الظُّلْمِ العالميِّ إنْ كان يقدرُ على الاستعداد!!.. ينذرهم باستباحةِ بيْضَتِهم أرضاً وأرواحاً واستنزافاً مالياً.. إلخ منذ أعْلَنَ الظُّلْمُ العالميُّ: (اليومَ عَدُوُّنا الإسلامُ)؛ وبدايةُ انطلاقَتِنا بفرْضِ الديمقراطيةِ الْـعَلْمانيةَ مَحَلَّ (الدياناتِ الإلهية) المضادَّةِ حُرِّيةَ الشهواتِ والشبهات.
قال أبو عبدالرحمن: وكان شاهِدُ العصر الدكتور حبيب حداد في مقالاته، وفي المقابلات الفضائيةِ معه مُهْتَمّْاً بكلِّ ما هو تهديدٌ للعالَـمِ العربي ولا يهمُّه أنْ يكون إسلامياً أو نصرانيّْاً، ومِنْ أُطروحاته في هذا المجال مقالتُه بعنوان: (جَدَلُ الْهُوِيَّةِ الوطنية والدينِ والْعَلْمانِيَّةِ في الدولة الديمقراطِيَّةِ)؛ واقتصارُه على (الدولةِ الديمقراطيَّةِ) يعني عنده وعند أُممِ أهلِ الأرض اليومَ: أنَّها ملاذُ الأممِ في فِتنَةِ العصر الحديث؛ وأنها الملاذُ للمستضعَفِين لدى الدُّولِ العظمى؛ (والعظمة لله وحده سبحانه وتعالى) سواءٌ أكانوا معتذرِين عن خطإٍ نُسِبَ إليهم، أم كانوا مطالِبينَ بِحَقٍّ سُلِبَ منهم؛ فهم في الحالتين مستسلمون لحقوق (الديمقراطية العَلْمانية)إن كانوا مُطالِبين؛ (بصيغة اسم الفاعِل) أو معتذِرِين.. وقَصَرَ الدكتورُ الحداد ما سماه (جَدَلُ الْـهُويَّةِ) على جَدَلِ الديمقراطية العلمانية والدين الإسلامي فقط، وهذا غَفْلَةٌ مِن مُفَكِّرٍ كبيرٍ، وممارسٍ عريق، والكمالُ لله وحده سبحانه وتعالى؛ والواقع أنَّ الجدليَّة العدوانيَّة منذ ضعفِ تاريخ المسلمين العلمِيِّ والعمليِّ: بدأتْ بين اليهوديةِ والنصرانية التي يَعُدَّها اليهودُ أكْبَرَ خطرٍ عليهم منذ بروزِ النصارَى العلميِّ النَّظَري والعملي؛ وذلك بتألُّقِ عصورِهم الوسطى التي هي سُرَّةُ انْحطاطِ تاريخِ المسلمين الماديِّ نظرياً وعملياً، وانشغالِ جماهيرَ منهم بِتِبْنِ الآداب، والْـمُعَمَّيات، والتَّغزُّل بالمردان، وما لا حاجَة إليه مِمَّا أُقْحِمَ في علمِ الكلام، واللغاتِ، وأصول الفقه.. إلى الاتِّـخامِ اليومْ بمشتَقَّات الْبُنْيويةِ!!.. وسُمُوقُ النصارَى العلمِيِّ، وكونِـهم أقْرَبَ مودَّةٍ للمسلمين، ثم هيمنتُهم على المعمورة بما امتلكوه من خَيراتٍ، وأسلحةِ دمارٍ، وهيمنةٍ على المعمورة: ولَّدَ عند اليهودِ الحسدَ لهم، والغيرةَ منهم في الوقت الذي كان فيه اليهودُ شُذَاذَ آفاق؛ فتَقَّربوا إلى النصارى بالكيد في الخفاءِ، وهو كيدٌ بَرَّزوا فيه، وقد بَيَّن الله قدرتَهم وتخصُّصَهم في الكيد: باستباحتِهم الكذبَ والتدليس، وقدرتهم على جمع المال ولو مِن قوتِ الرَّقَبةِ، واستباحَتِهم مَنْ سِواهم مِمَّن يُلَقِّبونهم بـ (الجوييم)، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بطرف من ذلك في قوله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)؛ والقرآن الكريم مَلِيْئٌ ببيان خُزيِهِم: كَذِباً، وتدليساً واحتجاناً للمالِ بالربا المضاَعَف، والخِداع بالتودُّد الكاذِب، والحسد، وجحدِ الحقِّ والتزوير.. إلخ، وتَقَصَّى العلماءُ استنباطَ كثيرٍ مِن واقِعهم التاريخيِّ ولا سيما الإمامُ الحبْرُ أبو محمد ابن حزم قدَّس روحه ونوَّر ضريحَه في كتابه الفحل(الْـفِصَلُ)، ومِن مناظرتِه لبعض علمائِهِم، ومعايشتِه خِزْيهم في الأندلس.
قال أبو عبدالرحمن: فكان تواصُلُ اليهودِ بالنصارى: أنْ قَدَّموا لهم المساعداتِ الماليةَ في حروبِهم وضِيْقِهم، وتوسلوا إليهم بحكمِ مواطنتِهم إياهم في بلدان المعمورة بالدَّعِمِ المادِّي بما أنجزوه من سلاح، وبما عندهم مِن مشورة، واعتدوا عليهم في الخفاء بإبادةِ فِئام منهم بالسُّمِّيات، ورمْيِ الْـغِطاهِ في الآبار؛ ولقد تَقَصَّى تاريخَ ذلك الموسوعاتُ الحديثةُ ولا سيما كتابُ (ول ديورانت)؛ ومن عُدْوانهم سرقةُ الأطفال وذبْحهم، وعَجْنِ الطحين بدمائِهم في عيد الفُصْح، وتَسَرَّبوا مِن عيونهم بدخولِ بعضِ أحبارِهم في النصرانية حتى أصبحوا من كِبار القُسس، ودلَّسوا عليهم معانيَ العهد القديم والجديد إلى أنْ حَوَّلوا جماهيرهم إلى يهودٍ في المشاعِر؛ ومن عُدْوانِـهم التضليليِّ التأويلُ للكتب الإلاهيةِ، وجهودِ أحبارِهم في كُتُب(التلمود)، وهو (اللاهوتُ الطبيعيُّ)؛ في التفسير الكاذب من (اللاهوتُ الدينيُّ)، ولكُم العِبَرُ بـ (كالفن) و(لوثر) ثم بآل ( بوش) الجدِّ صاحب تفسير (رؤيا حَزْقِيال)، واختراعِ أسطورة( هرمجدون)؛ ثم الانزلاق في الحكومات العَلمانِية الديمقراطية.. وعداوتهم للنصارى أشَدُّ من عداوتهم للمسلمين؛ فهي عداوةٌ قديمة منذ الافتراءِ على مريم البتول عليها صلواتُ الله وسلامُه وبركاته.. والولاةُ الأوُلُ للولاياتِ المتحدة الأمريكيةِ على وعيٍ وتحذيرٍ معاً، ولكنَّ القدَر غلبَ الحذَر منذ وُلِدَ شيءٌ اسمه (اللوبِيُّ اليهودي)؛ فَحَلْحَلُوا هم عن دِينِهم بالدِّيانةِ الوضعيةِ (الديموقراطِيَّةُ العلمانِيةُ)، وفي دينهم النصرانيِّ سعادةُ الدنيا والآخرة بالنسبة للنصوصِ التي لمْ يَنَلْها التبديل؛ وإنما نالَها التأويلُ مع بقاءِ النَّصِّ كما نزل.. وفي دينهم سعادةُ الدنيا والآخرة بإحالةِ الـلهِ سبحانه وتعالى إيَّاهم إلى نصوص الإسلام النافيةِ تبديلَهم بالحذْفِ أو الإضافةِ؛ وإنما ذلك بالتأويل مع بقاءِ النص كما هو.. ونصوصُ الإسلامِ هي الشاهِدةِ بالحقِّ الْـمُغَيَّبِ؛ ولهذا كان الإسلام شاهداً لما بين أيديهم وشاهداً عليه؛ ولهذا أيضاً أمرهم الله في القرآن الكريم بإقامَةِ الإنجيل الذي لم تَتَغيّرْ فيه إلى هذا اليوم نصوص البشارةِ برسولٍ يأتي مِن بعد عيسى اسمه أحمد عليهما صلوات الله وسلامَه وبركاته.. كما أنَّ نصوصَ التوراة الناطِقَةَ بِخزيِهم إذْ أمرهم الله بإقامَةِ التوراة التي استشهد بها رسول الله صلى اللهليه وسلم بحضور عبدالله بن سَلام رضي الله عنه: لا تزال محجورةٌ بين أيديهم في نسختين اسْتَلبوهُما من البحر الميِّتِ، ومن بابِل.. وجلاءُ الأمر مع كتمانهم تلك النسختين ميسورٌ بالجمع بين النُّسَخ المكتوبة باللاتينيةِ والآرامية.. إلخ.
قال أبو عبدالرحمن: إذن ذلك الخير العميم في الإنجيل الذي لم يقدر اليهود على تبديله، وإنما أوَّلوامع بقاء النص كما هو: مُيَسَّر لكل باحثٍ ذي عِلْمٍ بالأديان.. ثم كان البديلُ قيادةَ الظُّلْمِ العالَـمَيِّ بِأُحْمُوْقَةِ الديمقراطية العَلمانية، وكثُر إفراخ الباطنيةِ في الثقوب بأرجاء المعمورة مع أفراخ الْـحُلُوْلِيَّةِ الاتحادية؛ وكان هَمُّ الظُّلْمِ العالميِّ قَتْلُ الأطفال من الرُّضع إلى أبناء ما قَبْلَ بلوغِ الْـحُلمِ؛ لِيتلاشَى الوجودُ العربي والإسلامي بِقَتْلِ ذوي الأَشُدِّ، وإيقافِ النَّماءِ بقَتْل الأطفالِ، ولقد سَوَّغوا عملَهم على التلاشِي بتسويغات لا تنْطَلِـي على ذي لُبِّ ؛ وأما توزيع من بَلَغَ الحُلُمَ من الصبيان في البلدان: فإنهم يحسنون إليهم غايةَ الإحسان؛ ليتْسَخُوا ويَمْسَخوا هُوِيَّتَهم، وللحديث بقية؛ وإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.