أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنت أتحدث لطلاب الدراسات العليا في محاضرة الأسبوع الماضي عن أبجديات البحث العلمي، معرجًا على أهمية المنهج، ليس فقط في المشروعات البحثية العلمية المتخصصة كما يتصور البعض، بل في حياتنا كلها، وهذا الأمر هو ما تفتقده شريحة عريضة من شبابنا اليوم، فهم لا يحددون لأنفسهم هدفًا واضحًا في الحياة يسعون لتحقيقه بعد تعرفهم على ملكاتهم الفطرية التي حباهم الله إياها، وقدراتهم ومهاراتهم الشخصية التي يتمتعون بها، ومن ثم عملهم الجاد على تطويرها وتوظيفها التوظيف الأمثل، وإن جال في خاطرهم الوصول إلى هدف ما فهم لا يملكون مهارة التخطيط الجيد لتحقيقه سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، وهذا سر تقدم الآخر وتخلفنا عن ركب الحضارة المعاصر في نظري.
إن لدينا كمًا معرفيًا جيدًا عن الحياة وكيف نعيشها بطولها وعرضها حين الفرح وعندما يحل الحزن لا سمح الله، نحفظ من النصوص المأثورة والحكم المروية الشعرية منها والنثرية الشيء الكثير، ولكننا أعجز من أن نترجم هذا الثراء المعلوماتي المعرفي إلى منهج حياة لنا مع الأسف الشديد.
لقد أصبنا بأمراض عدة جراء تخلينا - وحتى أكون دقيقًا تخلي شريحة عريضة منّا - عن الممارسة المنهجية التي بها- بعد عون الله وتوفيقه- تتحقق لنا حياة سعيدة منجزة وفاعلة، تواقة ومتطلعة لمغازلة أفق النجاح والتميز في ميدان التنمية المختلفة، وهذه الأمراض التي فتكت بنا هي بإيجاز:
* التلقائية غير الواعية في معالجة أمورنا الحياتية.
* العشوائية والارتجال.
* التقليد والتبعية والوقوف على أرضية غريبة إما زمانًا أو مكانًا حين معالجة قضية لنا جدت في مطلع القرن الحادي والعشرين.
* الاعتماد على المصادفة وانتظار أن يبتسم الحظ لنا يومًا ما.
* الاتكالية والتواكل.
* التسويف والإهمال.
* إظهار العجز وعدم القدرة، والتذمر والتباكي، وكثرة الشكوى والتشاكي.
والنتيجة النهائية العيش على هامش التاريخ، سواء على المستوى الشخصي أو الأممي.
إن الناجحين لا يختلفون عنّا في مستوى الذكاء غالبًا، ولكنهم عرفوا قيمة الزمن وعقدوا العزم على أن يكون لهم بصمة، فرسموا لأنفسهم منهجًا في الحياة استطاعوا من خلاله أن يوظفوا معارفهم ومعلوماتهم وقدراتهم فيما يحقق لهم ما أرادوا، ومن ثم يقدموا للإنسانية جمعاء منجزًا حضاريًا يخلد أسماءهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا.
نعم، مهم جدًا أن يكون الإنسان مدركًا أنه لا يمكن له أن يستقل بالكم المعرفي عن المنهاج العقلي، بل لا بد من أن يتوافق هذا مع ذاك حتى يحقق المرء ذاته وإلا سيبقى مشتتًا بين هاتين القوتين تتجاذبه ذات اليمين تارة وذات الشمال تارات، وقد يلجأ الشباب حين يصير في المنطقة الرمادية إلى الهروب عن ذاته بذاته، والتعويل على ما يذهب إليه الأصدقاء ويفعله القرناء فيصبح بلا هوية وشخصية خاصة.
إن من المنهجية المتعقلة ألا تقف طويلاً عند الإخفاقات في حياتك، ولكن تمر بها سريعًا من أجل أن تستفيد منها دروسًا للمستقبل، ثم توظفها للرقي السريع في سلم النجاح وصولاً للقمة التي تحتاج منك إلى الإرادة الصادقة والعزيمة المتقدة والشعور الحقيقي بأنك لست مجرد رقم في خانة الضعفاء المساكين، بل باستطاعتك أن تصير رقمًا صعبًا في مسار وطنك التنموي، وربما صرت عالميًا يومًا ما، وليس ذلك على الله بعزيز.