فضل بن سعد البوعينين
اتفقت دول الخليج على مراجعة أسعار الطاقة تدريجياً بهدف تعويمها وربطها بالأسعار العالمية؛ واختلفت فيما بينها على آلية التحرير؛ وزمنه، وطرق التعامل مع انعكاساته المجتمعية والاقتصادية. وبالرغم من أهمية مراجعة أسعار الطاقة لبرامج الإصلاحات الاقتصادية؛ إلا أن تعامل الحكومات الخليجية مع ملف «الطاقة» لم يخل من الحسابات المعقدة لانعكاساته المؤثرة على قطاعات الاقتصاد ومكونات المجتمع. ففي السعودية؛ التي بدأت خطواتها العملية لإصلاح الاقتصاد وإعادة هيكلته على أسس من التنوع والاستدامة؛ أقدمت الحكومة على إجراءات استباقية بهدف تهيئة المجتمع لمواجهة إجراءات رفع الدعم التدريجي عن الوقود؛ والتركيز في المرحلة الأولى على التوجيه والإرشاد وإعادة هيكلة المواصفات والمقاييس السعودية بما يتوافق مع متطلبات الاستخدام الرشيد للطاقة. وركزت في المرحلة الثانية على حماية المجتمع من الانعكاسات السلبية لرفع الدعم عن الطاقة؛ وإعادة توجيه الدعم إلى المستحقين من متوسطي ومتدني ومحدودي الدخل دون سواهم من القادرين وغير السعوديين؛ حيث أنشأت حساب المواطن الذي سيمكن الحكومة من إيصال الدعم إلى مستحقيه؛ ما يحقق كفاءة برامج الدعم الحكومية ويوقف الهدر المالي ويخفف الضغط على المالية الحكومية. ارتفاع استهلاك النفط ومشتقاته محلياً؛ وتراجع أسعاره خلال السنوات القليلة الماضية ساعد في دق ناقوس الخطر؛ والكشف عن ضرورة ترشيد الاستهلاك والإصلاحات الاقتصادية وخفض الالتزامات الحكومية المرتبطة بدعم الطاقة؛ وإعادة توجيهها لمشروعات التنمية وبناء المجتمع على أسس منتجة ومستدامة.
أصبح ملف معالجة تسعير الطاقة من أولويات الحكومة المرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية المفضية لتنويع مصادر الاقتصاد والدخل، ورفع مستوى الإنتاجية، وتحقيق الاستدامة والتوازن المالي. وبالرغم من أهميته للمالية العامة؛ إلا أنها ربطت بينه وبين استمرارية الدعم الحكومي للمستحقين.
إصلاح قطاع الطاقة أحد أهم برامج التحول الاقتصادي؛ حيث تستنزف فاتورة الدعم جزءاً مهماً من الإنفاق الحكومي. في الوقت الذي يتسبب فيه الاستهلاك غير الرشيد للطاقة بشح كبير في مصادرها ما ينعكس سلباً على استدامتها؛ وعدالة توزيعها. فالمملكة من أكثر الدول المستهلكة للطاقة بالرغم من محدودية قاعدتها الصناعية مقارنة بالدول الصناعية الكبرى. ترك استهلاك النفط على ما هو عليه حالياً سيقود الاقتصاد إلى كارثة حقيقية في المستقبل المنظور؛ فالأمر لا يرتبط بالتسعير فحسب بل بالاستهلاك الرشيد من جهة؛ والتوافق الأمثل بين الاستهلاك الكلي والقاعدة الصناعية بأنواعها؛ من جهة أخرى.تنويع مصادر الاقتصاد والدخل الحكومي والانعتاق التدريجي من الاعتماد الكلي على إيرادات النفط وتحقيق التوازن المالي من محاور رؤية المملكة 2030، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتخاذ قرارات جريئة ومؤثرة تساعد على ترشيد الاستهلاك المحلي لمصادر الطاقة؛ وتحقق في الوقت عينه الكفاءة المالية وتسهم في وقف الهدر وتقليص فاتورة الدعم العشوائي لمصلحة «الدعم الذكي» الذي يضمن تدفق المعونات إلى مستحقيها ويوقفها عما سواهم من الأغنياء والمقيمين.
رفع الدعم التدريجي عن الوقود سيسهم في تحويل مخصصات الدعم للحد من عجز الموازنة ومعالجة الدين العام، ورفع تنافسية السوق المحلية بما يسهم في جلب مزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة الأمر الذي سينعكس إيجابا على حجم الإنتاج المحلي والفرص الوظيفية والاستثمارية. وسيساعد الحكومة في تخصيص جزء مهم من الدعم لتمويل الصناديق التنموية بحسب الأنشطة ذات العلاقة بالوفر المالي.
مراجعة أسعار الوقود ستسهم أيضاً في توجيه المستهلكين للمركبات المحققة لمتطلبات «كفاءة الطاقة» طلباً للتوفير المالي؛ غير أن ذلك التوجه سيسهم بشكل مباشر في خفض الانبعاثات الضارة بسبب المواصفات البيئية التي يتمتع بها ذلك النوع من المركبات. لا خلاف على الأثر المجتمعي والاقتصادي لرفع أسعار الوقود على المدى القصير؛ إلا أن أثره الاستراتيجي الإيجابي على المالية العامة والاقتصاد والتنمية والاستدامة أعم وأشمل ما سينعكس بالتبعية على المجتمع المستفيد الأول من نجاح الإصلاحات الاقتصادية. وتبقى المراهنة على قدرة الاقتصاد على استيعاب متغيرات التسعير ورفع الدعم وخفض انعكاساته السلبية؛ وهو أمر مرتبط بشكل كبير في آلية التطبيق وجدولة رفع الدعم. أختم بأهمية «حساب المواطن» الذي يشكل قاعدة الدعم المستقبلية؛ وأهيب بالمواطنين بسرعة التسجيل للاستفادة من الدعم الحكومي الذي سيدفع قبل إقرار رفع أسعار الطاقة. فالدعم لن يدفع بأثر رجعي وبالتالي سيتحمل المواطن مسؤولية تقصيره وعدم تسجيله في حساب المواطن وما يترتب عليه من عدم حصوله على الدعم.