هاني سالم مسهور
لا يكاد أحد يصدق كيف تحولت شوارع صنعاء إلى كربلاء والنجف وقم، وتلك المدن التي ارتبطت بطقوس المذهب الإثنى عشري، فلم تعرف صنعاء وكل مدن شمال اليمن التي يغلب عليها المذهب الزيدي على مدار قرون طويلة هذه المشاهد، التي وبالتأكيد تؤكد أنّ انحرافاً عقدياً خطيراً قد وقع للمذهب الزيدي على يد الحوثيين، وهذه مسألة دونما جدال تمثل الوجه الأكثر بشاعة للانقلاب، فهذا التحول من المذهب الزيدي إلى الإثنى عشري يعتبر تلويثاً للتاريخ الحضاري لليمن ومهدداً خطيراً للتجانس في عموم اليمن، ويؤسس لصراعات مذهبية لن تنتهي في المدى المنظور.
جمعت الحركة الحوثية المعاصرة مع مذهب الجارودية الأخذ بعقيدة الإثنى عشرية من أصحاب ولاية الفقيه، فجمعت بين ضلالتين فبين المذهب الجارودي، والمذهب الإثنى عشري، ثم توجت هذا الغلو بعقيدة ولاية الفقيه الخمينية التي لم تكن موضع الرضا من طائفة من أعلام الإثنى عشرية، لأنها مبنية على خرافة الغيبة المزعومة لمهديهم الموهوم.
لسنا هنا أمام متاهة الإمام الغائب والخلل العقائدي القائم، بمقدار وقوفنا عند انحراف الزيدية الذين هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وسمّوا بالزيدية نسبة إليه، وقد افترقوا عن الإمامية الرافضة حينما سئل زيد عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما فرفضه قوم، فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من أتباعه زيدية لانتسابهم إليه، ومذهب الزيدية المعتدلة أو الزيدية الحقيقية في الصحابة هو الترضي عنهم، وقد خرج من الزيدية أئمة أعلام كان لهم أثر يذكر وجهد يشكر، كالإمام الصنعاني، وابن الوزير، والشوكاني.
حدث الانحراف عند الزيدية في مسألتين (العصمة والنص) فكانت هذه المداخل التي شكلت الانحراف العقائدي، وإن كانت في طوائف من الزيدية مع بقاء الزيدية في أصولها تلتزم بما جاء عن زيد بن علي بن الحسين بمنهج مازال حياً، غير أنه مكتوم بصعود الحركة الحوثية ونفوذها العسكري المدعوم من جهة إيران، وهذه واحدة من المفارقات فقد اتفقت مصادر الإثنى عشرية على كفر الزيدية واستحلال دمائهم وأموالهم، وهذا ما يؤكد حقيقة الانحراف العقائدي الذي بلغ أقصاه.
يستوقفنا هنا كيف تصرف مليشيات الحوثي ببذخ على هذه المناسبات الدينية، برغم الحرب الدائرة منذ انقلابهم في 2014م على الجمهورية اليمنية؟ من المهم أن تدرك هذه المناطق الخاضعة لسلطة الانقلابيين أنه في حين تتفاقم الكوليرا وتحصد أرواح أبنائهم، فإنّ الحوثيين أنفسهم يصرفون ملايين الريالات على استمرارهم في مشروع إيران سياسياً بالدرجة الأولى، وإنما يتم استخدام المذهب كحصان طروادة ليُشكل اليمن باباً خطراً مستمراً على الإقليم العربي ومهدداً صريحاً للسعودية، وكامل المنظومة الأمنية العربية في باب المندب والبحر الأحمر، لتنفيذ المخططات الإيرانية في الشرق الأوسط.
صنعاء التي يُحرم أطفالها من التعليم بعد إضراب الآلاف من المعلمين بسبب انقطاع الرواتب الشهرية عنهم تستنسخ طقوس كربلاء، وتغرق أكثر في التعصب المذهبي، كم نحن بحاجة إلى صوت العلماء الآن لتوضيح الانحراف الزيدي فالزيدية ليست هذه التي نعرف، فلم يكن أحد من أهل اليمن لاعناً في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أهل اليمن من أنصاره الذين فازوا به في الدنيا ولابد وأن يبقى اليمن نقياً معتدلاً كما كان قبل الانقلاب.