خالد بن حمد المالك
كثير منّا جاب دول العالم، ومشى في أسواقها، وتعرف على أسرارها، وغاص في خباياها، وأدرك معرفة مالا مثيل له في بلادنا، وتنقّل بين مكتباتها ومقاهيها ومطاعمها، ولم يغنه حضوره لفعاليات ونشاطات النهار فيها عن تجواله ليلا للاقتراب من الإلمام بشخصياتها.
* *
في بعض دول العالم أشياء كثيرة تختلف عما هو موجود في بلادنا، التخطيط والعمران وحجم السياحة، والعادات والتقاليد، والأنظمة، والأجواء الطبيعية، والاهتمامات، وفيها ما يماثل ما هو موجود بالمملكة، وإن تفاوتت النسب، واختلفت الصور، وتباينت المشاهد.
* *
التاريخ والجغرافيا، يميزانا عن غيرنا، كما يميز هذه الدولة أو تلك عنا ، وهذا الشعب عن الآخر، بالملامح والعادات والتقاليد والثقافات وحتى الديانات، لكن هناك جسر تواصل يربط بين الدول، ويقوم به - بالنيابة - الاقتصاد والسياسة - تحديداً - ويجمعهما الأمن المستهدف دائماً من أجل الاستقرار والسلام.
* *
وهذه السياحة المتكررة لدول العالم التي يقوم بها المواطن السعودي طلباً للعلم أو العلاج أو الترفيه، لم تغنه عن حب بلاده، وعن حنينه إليها كلما غاب عنها، حيث الولادة والنشأة والأهل والأصحاب والذكريات، وكل الروابط الأخرى التي تشده إلى وطن الحب مهما كان هناك من إغراء للغياب عنه.
* *
هنا نستغرب أن يأتي من يتنكر لوطنه، ويرى أن البديل له دولة إسلامية ممتدة إلى ما يمكن تحقيقه في أصقاع الدنيا، حيث حلم هؤلاء بدولة الخلافة، وبخيار الأمة بديلا للمواطنين في عملية دمج وعسف لمفاهيم الوطن والمواطن، حتى ولو كان تحقيق ذلك لن يتم إلا بالحديد والنار، وبالتآمر على الوطن والمواطن.
* *
وأنا لا أفهم كيف يفكر هؤلاء، فهم ينكرون أن العروبة تجمع العرب، وأن الوطن يوحّدهم، إذ بنظرهم أن الدولة الإسلامية بامتدادها الجغرافي الواسع، وبكثافتها من البشر هي التي تجمع ولا تفرق، متجاهلين بذلك الحقائق والواقع والتاريخ الذي تمر به الدول الإسلامية، والنزاعات التي تجري بينها، دون بارقة أمل لحلها.
* *
هؤلاء ممن يصح أن يقال عنهم إنهم أعداء الوطن، هم الذين يتخابرون مع الدول والمنظمات لإنجاز وهم ولادة ما يسمى بالدولة الإسلامية الكبرى، فكانت داعش الدولة المسخ لهذا الطرح غير العاقل عن مستقبل الأمة، وخيار الوطن البديل، وهذا التهور في تفريغ مفهوم الوحدة الوطنية في كثير من دولنا العربية.
* *
صحيح أن هذا التفكير بدأ مبكراً، وأن تنظيم الإخوان المسلمين هم أساس من قاد هذا التيار التآمري على الوطن العربي، غير أن تفرعات تنظيم الإخوان المسلمين وانشقاقاته وما بني على قواعده هو من أوجد طالبان والقاعدة وداعش والنصرة وكثير من المسميات التي تندرج تحت مفهوم الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية الكبرى.
* *
المملكة ومن بعض أبنائها غير البررة، لم تكن معزولة عن هذه المؤامرة في يوم من الأيام، فقد تكاثر المتآمرون عليها ممن أهديت لهم الجنسية السعودية من الإخوان العرب، ومن بعض المغفلين من المواطنين السعوديين، وكان يمكن أن تكون بلادنا في وضع كارثي في أمنها واستقرارها كما هو في عدد من الدول المجاورة، لولا الحزم والعزم وقوة النظام الذي حال دون وصول هؤلاء إلى أهدافهم.
* *
نعم جبنا العالم، زرنا دوله، تعرفنا على كثير مما رغبنا أن نتعرف عليه، فلم يبهرنا ما وجدناه للانصراف عن حبّ وطننا، وحرصنا على سلامته، واستنكارنا لمن يتآمر على وحدته، وإصرارنا على أنه لا غنى لنا عنه بحدوده وموقعة وتاريخه ونظامه السياسي.