فضل بن سعد البوعينين
باتت المشروعات الصغيرة والمتوسطة محور اهتمام الحكومة لما تحققه من زيادة في حجم الإنتاج؛ والتوطين؛ وخلق الفرص الوظيفية؛ وتحقيق التنوع الأمثل الذي تبحث عنه الدولة في دعم اقتصادها؛ ودعم معدلات النمو؛ وتوفير قاعدة ضريبية يمكن أن تزيد من حجم الدخل الحكومي مستقبلاً. لذا أحتل هدف رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي جزءًا مهمًا من رؤية المملكة 2030.
تسابق الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الزمن لتحقيق أهدافها وتقديم الدعم الأمثل للمنشآت الصغيرة والمبادرين الشباب؛ وللأمانة فقد نجحت خلال فترة زمنية قصيرة في وضع الأسس المفضية إلى تحقيق أهدافها ومعالجة المعوقات على أسس من المشاركة مع المنشآت المستفيدة من خدماتها. عقد ورش العمل مع المبادرين الشباب والمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة من أهم أدوات جمع المعلومات الشفافة حول القطاع وما يواجهه من معوقات تعرقل تقدمه ورفع مساهمته في الاقتصاد؛ وأحسب أن تركيز الهيئة على هذا الجانب ساعد في رسم صورة بانورامية لما يواجهه القطاع من تحديات مختلفة تستوجب المعالجة.
محافظ الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الدكتور غسان بن أحمد السليمان أكَّد في حفل تتويج الفائزين بجائزة الدكتور غازي القصيبي لأفضل منشأة واعدة؛ «حاجة المملكة إلى الشركات الصغيرة النوعية، التي تسهم في خدمة الشركات الكبيرة، وذلك على غرار ما هو حادث في كافة الدول المتقدمة» وإن جهود الهيئة باتت موجهة لرصد التحديات التي تعانيها المنشآت الصغيرة ومعالجتها من خلال تطبيق الإستراتيجيات والممارسات النوعية المطبقة في الدول الرائدة في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ بحيث تكون البداية من حيث انتهى الآخرون. يسهم استنساخ تجارب النجاح الرائدة في اختصار الزمن للوصول إلى النتائج المرجوة وخفض مخاطر تطبيق الإستراتيجيات المحدثة؛ وهو أمر يحتاج إلى حشد الجهود ومشاركة فاعلة من ثلاثة جوانب رئيسة؛ الهيئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى القطاعات الحاضنة لها؛ وأعني بها الشركات الضخمة التي يقع عليها العبء الأكبر في إنجاح خطط الدولة الرامية إلى دعم القطاع.
من خلال محاورتي لأحد الشباب الفائزين بجائزة الدكتور غازي القصيبي لأفضل منشأة واعدة عن القطاع الصناعي؛ أيقنت أن بعض الشركات الصناعية الكبرى ما زالت مقصرة في تحمل مسؤولياتها تجاه إنجاح الإستراتيجية الوطنية وبعيدة عن دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة على أسس منهجية تفضيلية؛ وبما يسهم في إنجاح برامج الهيئة وإستراتيجيتها الوطنية. اعتقدت أنني ساستمع لمعوقات تنظيمية أو تمويلية تعاني منها منشآته الواعدة؛ إلا أنني تفاجأت بمعوق آخر يكاد يقضي على طموح الشباب ويعرقل مبادراتهم الجريئة. تركزت شكوى ذلك الشاب من تنافسية السوق غير العادلة وغير المتكافئة في الوقت عينه. حدثني عن تجربة قاسية مع إحدى الشركات البتروكيماوية في الجبيل الصناعية التي طلبت منه بعد زيارة التأهيل لورشته الخاصة ببعض التعديلات وإضافة أجهزة صناعية حديثة بتقنيات إلكترونية كلفته أكثر من مليوني ريال سعودي؛ وبعد أن حقق متطلبات الشركة تقدم للمنافسة على أحد مشروعات الصيانة فيها ونجح في تقديم السعر الأفضل مع الالتزام بتنفيذ بعض أعمال الصيانة المجانية لضمان الجودة قبل تنفيذ العقد. وبعد نجاحه في الحصول على العقد تفاجأ بتهميش الشركة له وتوجيه العقد لمتعهد آخر من الشركات المسيطرة على السوق دون مراعاة للعقد المبرم أو ما تكبده من خسائر مالية فادحة. الجزء الأكثر إيلامًا من القصة؛ أن بعض الشركات الفائزة بعقود الصيانة تطلب من شركته إجراء الصيانة لعدد مهم من تلك القطع الصناعية وبمبالغ زهيدة لعدم قدرتها على تنفيذ كامل العقد الذي حصلت عليه. هناك بعض الشركات الصورية أو المتستر عليها تعتمد العلاقات أساسًا لنشاطها فتحصل على العقود ثم تعيد بيعها للشركات الصغيرة بأثمان بخسة مستأثرة بالجزء الأكبر من الأرباح. لو انتهجت الشركات الكبرى إستراتيجية داعمة للمنشآت الصغيرة وخصصت لها نسبة من عقودها المختلفة بنظام «الكوتا» لما واجهت المنشآت الواعدة معوقات المنافسة الجائرة والممارسات غير العادلة التي يخلو بعضها من معايير النزاهة.
برغم الجهود المتميزة للهيئة إلا أنها لن تستطيع تحقيق أهدافها ما لم تواجه الشركات الصناعية الكبرى بأخطائها؛ وتفرض عليها تخصيص نسبة من مشروعاتها ليتم توزيعها على الشركات الصغيرة الكفؤة بعدالة ووفق منهجية حمائية داعمة لها وبما يضمن لها النجاح والتقدم وتحقيق الجزء الأهم من رؤية المملكة 2030.