لقد عُني المتقدّمون من العلماء بتدوين المواضع والبلدان عناية كبيرة لأغراض متعددة منها حفظ تاريخ هذه المواضع، وتزخر نجد بمواضع عديدة قديمة كاد بعضها أن يندثر بين الناس وقلّ أن تجد لها ذاكراً، بل قد يعمد بعض الناس -بحسن نية- إلى طمس معالم هذه المواضع والتغيير فيها حتى إذا فني أهلها وأتى جيل جديد نُسي هذا المكان وتاريخه بل وربما اسمه، ومن هذه المواضع في محافظة الدَّلَم جنوب مدينة الرياض موضع زراعي خصيب ينيف عمره على الثلاثة قرون تركه معظم أهله في العصر الحديث مع التطوّر وانتقلوا إلى الأحياء الحديثة والمباني المسلحة ألا وهو (حي الحصين) أو ما كان يُسمى بفريق الحصين محلياً، فسأتطرق في هذه المقالة أو المبحث لهذا الحي ومسجده وتاريخه بشيء من الاختصار تعريفاً للقارئ الكريم بهذا الموضع العتيق وبشكل علمي سهل.
الموقع العام
يقع حي الحصين في وسط محافظة الدلم غرب حِلّة الدلم القديمة (الدَّيْرة) وإلى الجنوب الغربي عن مبنى بلدية المحافظة القائم الآن حيث لا يزيد بُعد هذا الحي عن البلدية على 200 متر، وحي الحصين يقع ضمن ما كان يُعرف -ولا يزال- بنخيل الدلم، وأيضاً يدخل الحصين فيما يُعرف بالوسطى (الوسطة) والتي عُرفت بذلك لتوسطها أحياء الدلم فهي بين المحمديّ شمالاً والعِذار جنوباً وبين الديرة شرقاً ووادي أبي الحصاني غرباً، وهذا الأخير يختلف عن الحصين وبينهما مسافة تقارب700 متر.
الاشتقاق اللغويّ وسبب التسمية
الحُصَيْن -بضم ففتح فياء خفيفة غير مشدّدة- على وزن (فُعَيْل) وهو على القياس تصغير (حِصْن) والحصن معروف المعنى، ويذكر بعض أهالي الحصين من كبار السن عن أصل التسمية أنّ مَن كان على سور بلد الدلم قديماً -وهو سورالحِلّة- إذا رموا بالبنادق لم يكن رميهم يصل الحصين فمَن كان في الحصين فهو آمن من الرمي وقت الحروب والفتن فكان هذا الموضع كالحصن، وهي رواية مطابقة للواقع فالبنادق قديماً لا يبعد مرماها كثيراً كما أن البنادق موجودة معروفة قبل أكثر من ثلاثمائة سنة، وعلى هذه الرواية فسيكون المقصود هنا هو سور الحلة الأقدم التي كانت تقع عن الحلة الحاليّة إلى الشمال إذ إنّ الحلة المعروفة الآن بُنيتْ سنة 1211هـ كما هو مذكور في التواريخ النجدية ثم هُدِمت سنة 1413هـ.
تاريخ حيّ الحصين
يزيد عمر هذا الحي على ثلاثمائة سنة كما قلنا فقد ذكرته وثيقة مبايعة محلية كتبها القاضي "خادم الشرع الشريف الأنور" عبدالله بن عبدالرحمن الشافعيّ -نِسْبة للمذهب- رحمه الله سنة 1118هـ ثم نقلها عنه الكاتب أحمد بن عبدالله آل نفيسة رحمه الله سنة 1277هـ ثم نقلها عنه فضيلة الشيخ القاضي عبدالرحمن بن عبدالله بن عتي حفظه الله عندما كان رئيساً لمحاكم الأفلاج سنة 1416هـ وذلك خوفاً من تلف الأصل، وجميع الأوراق الثلاث السابقة موجودة أصولها، فهذه الوثيقة القديمة تحدد الملك المبيوع -وهو موضع مشرفة الآتي- بعبارة : "الكائنة في سوق الحصين من بلدة الدلم"، والسوق هو الشارع وعادةً يكون من الشوارع الرئيسة في المكان، ولايزال هذا السوق واضح المعالم يدخل إليه الداخل الآن من (دوّار البلدية) باتجاه الجنوب الغربيّ وهو مُعبّد ثم يتعطّف الطريق بين المزارع والبيوت حتى إذا جاوز مسجد الحصين وتركه يساراً التقى بالمسناة فعاد تراباً حتى يُفضي بسالكه إلى وادي تركي (الجُريْف) عبر مسناة الشبيلي الآتي ذِكرُها، وتُعدّ هذه الوثيقة السابقة من أقدم وثائق بلد الدلم التاريخيّة ومن النوادر، كما تشير هذه الوثيقة إلى مَن كان يسكن هذا الحي من بعض الأسر التي لا يزال بعضها معروفاً ومقيماً في نفس الحي، ثم بقي حي الحصين معروفاً بهذا الاسم بعد تاريخ كتابة الوثيقة وحتى الآن كما تُشير إليه الأوراق فمن ذلك ورقة وقفيّة مؤرخة سنة 1171هـ وورقة مبايعة مؤرخة سنة 1301هـ يأتي الحديث عنهما، وكذا ورقة مغارسة ووقفية كتبها عبدالعزيز بن علي الزير رحمه الله وصادق عليها قاضي محكمة الدلم الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن فارس رحمه الله سنة 1379هـ وجاء فيها: "الواقعة في فريق الحصين من بلد الدلم" وهذه العبارة -فريق- لا تزال متداولة شرقاً عند أهل الخليج وإن اندثرت الآن عند أهل الخرج عموماً والدلم خصوصاً إلا عند بعض كبار السن.
مسجد الحصين التاريخيّ
يقع هذا المسجد العتيق في قلب حي الحصين فهو علامة على هذا الحي وأحْسِبُ أنه لولا هذا المسجد لنُسي اسم الحي تماماً في جيلنا هذا، وموقع المسجد بالإحداثيات الشمالية 23.59.583 والشرقية 47.09.112 وهو في الزاوية الشمالية الغربية من موضع (الشريقي) الذي سنتحدث عنه، والمسجد مُربّع الشكل صغير الحجم فمساحته بالمجمل تقارب 163 متراً مربعاً، وهو مبني على الطراز النجدي القديم فسقفه القديم -الداخلي- من جذوع الشجر وجريد النخل والأعمدة دقيقة ناعمة تنتهي في أعلاها بتيجان مستطيلة، ولهذا المسجد الشريف باحة صغيرة مكشوفة ودرج يُفضي إلى السطح، وداخل المسجد محراب صغير مستدير ثم صف واحد يليه جدار ثم ثلاثة صفوف مسقوفة (مصباح) تلي الجدار إلى الباحة، وليس للمسجد مئذنة، ويظهر جَليّاً أنّ المسجد جُدّد وتم ترميمه عدّة مرات وجرى فيه بعض التعديل أيضاً.
أما تاريخ عمارة هذا المسجد فأقدم ما وقفتُ عليه من ورق يُشير إليه بشكل صريح هو وصية مؤرخة سنة 1319هـ حيث أوقف صاحبها "ثلاثين وَزْنة تمر يفطر عليها في شهر رمضان في مسجد الحصين جارية كل سنة" كما في نص الوصية، وهي بخط الكاتب عبدالله بن عتيق -رحمه الله- ثم صادق عليها قاضي الخرج الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- بعد ذلك سنة 1360هـ أثناء ولايته القضاء في بلدان الخرج، فالوثيقة السابقة تؤكّد أن عمر هذا المسجد لا يقل عن 120 عاماً وهذا في أقل تقدير إلا أنه لا يبعُد أن يكون المسجد أقدم من ذلك ففي الوثيقة المتقدّمة المؤرخة سنة 1118هـ يرد فيها أحد الشهود بعبارة "محمد بن يوسف الإمام" ولا ندري هل هو إمام لهذا المسجد بعينه أو أنه إمام لمسجد آخر من المساجد المحيطة؟ وقد بقي مسجد الحصين معروفاً بهذا الاسم كما تشير إليه أوراق مؤرخة سنة 1349هـ و 1379هـ وصولاً إلى الآن ويأتي الكلام عن هذه الأوراق بشكل أكثر تفصيلاً.
وهذه قائمة بأئمة ومؤذني هذا المسجد المحفوظين في ذاكرة الحي ابتداءً بالأقدم:
المؤذنون: محمد بن عبدالعزيز بن عتي (ت:1380هـ تقريباً)، ناصر بن محمد بن يوسف (ت:1388هـ تقريباً)، عبدالرحمن بن عبدالله بن رُشيْد الحقباني (ت:1425هـ)، سعود بن عبدالعزيز بن يحيى، عبدالعزيز بن بدر بن يحيى، سلمان بن سعيد بن نمشان وآل نمشان من أهل العِذار بالدلم.
الأئمة: ناصر بن حسن بن سيف (ت:1370هـ تقريباً)، ابنه عبدالله بن ناصر بن سيف (ت:1411هـ)، ناصر بن محمد بن عبدالعزيز بن عتي (ت:1406هـ)، عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن حسن بن سيف (ت:1419هـ)، فهد بن محمد بن قعيضب وآل قعيضب من أهل العويمريّة بالدلم، رحم الله من مات وبارك في عمر الأحياء.
ومنذ أكثر من سنتين نُقلت وظيفة الإمام والمؤذن من المسجد لقلة المصلين أو انعدامهم أحياناً بسبب انتقال الجيران القدماء كما ذكرنا واستحداث مساجد أخرى في أطراف الحي.
بعض المواضع المحفوظة في حيّ الحصين وأطرافه
من المواضع التي حفظتها لنا الأوراق وحفظها لنا الرواة ولا تزال معروفة في هذا الحي وأطرافه عند المُلاّك:
1- مُشْرِفة: أقدم المواضع المعروفة في هذا الحي على الإطلاق وقد أشرنا له سابقاً وهو الموضع الذي اشترته موزة بنت محمد بن دعفة من آل أبي أحمد سنة 1118هـ كما في الوثيقة التي ذكرناها في أول المقال، ولا يزال هذا الموضع معروفاً الآن فهو غرب مسجد الحصين وشرق قصر آل عتي الآتي والذي يبدو أنه جزء من مشرفة أيضاً، ولا تزال مشرفة كما تصفها الوثيقة "في سوق الحصين" أي: على الطريق، فسوق الحصين يحد مشرفة شمالاً الآن، ويبدو أنها كانت أكبر ممّا عليه الآن بحيث إنها كانت ذلك التاريخ شمال السوق أيضاً فيكون السوق يقسمها إلى قسمين، وقد انتقلت مشرفة بالشراء من آل عتي إلى آل يوسف سنة 1428هـ مع قصرهم ونخيلهم المجاور.
2- قصر آل عُتَيّ: غرب مشرفة وعلى جال مسناة الشبيلي (السوق) ويبدو أنه كان جزءاً من مشرفة كما قلنا، وهو قصر كان يقيم فيه آل عتي الأسرة المعروفة في الدلم ولم يبقَ من القصر الآن إلا الأطلال فقد هدمه السيل الذي أغرق الدلم هذه السنة 1438هـ في العشرين من جمادى الأولى، وبموجب ورقة مؤرخة سنة 1293هـ أملاها القاضي عبدالله المخضوب فإن جدهم عبدالعزيز بن عبدالله بن عتي اشترى من عبدالعزيز بن يوسف ما ورثه من أبيه يوسف من "قصر عتيق بن يوسف المعروف في الخضيري" وسنتحدث عن هذين الموضعين في الفقرة التالية، وفي ورقة أخرى أملاها أيضاً المخضوب مؤرخة سنة 1301هـ اشترى عبدالعزيز بن عتي نفسه من عائشة بنت أحمد بن يوسف ما ورثته من أبيها من ملكه "المعروف في الحصين من بلد الدلم" كما تنصّ عليه الوثيقة، وقصر آل عتي انتقل بالشراء حديثاً مع (مشرفة) السابقة كما ذكرناه.
3- الخُضيْريّ: أشرنا له في الفقرة السابقة وموقعه جنوب غرب قصر آل عتي في موضع يُعرف الآن بالمريفع -يأتي ذِكْره- وذكرنا أنّه كان فيه قصر يعرف بقصر عتيق بن يوسف، ويتضح أنّ هذا الموضع منسوب إلى أسرة آل خُضيْر المعروفة في الدلم فربما كان ملكاً لهم قديماً أو أنهم غرسوه فأملاك آل خضير المعروفة الآن هي في طرف الحصين الجنوبيّ إلا أنهم لم يكونوا يصلّون في مسجد الحصين بل لهم مسجد خاص في الجنوب يصلي فيه أهل تلك الناحية، وموضع الخضيري دخل في أملاك آل يوسف الآن فقد باعه آل عتي ضمن أملاكهم.
4- مسناة الشُبَيْليّ: المسناة معروفة ويطلق عليها بعض أهل نجد صُنْعاً أو مصنعاً وهي دروب السيل المصنوعة المحفورة لسقيا المزارع وقت الأمطار، ومسناة الشبيلي هذه مسناة وقت الأمطار وطريق بقيّة السنة، وهي المسناة الرئيسة في حي الحصين وأكبر المساني في الحي بحيث إن السَّيّارات تعبر فيها، وتبدأ المسناة من وادي تركي وتتجه شرقاً حتى إذا أقبلت على قصر آل عتي انكسرت 90 درجة إلى الشمال ثم اعتدلت إلى الشرق ثانيةً بمحاذاة القصر فتسقي (وثّاباً) ثم أخذتْ ذات اليمين قليلاً فتركتْ (سوق الحصين) يساراً فتشرب منه (مشرفة) ثم إذا أقبلت على مسجد الحصين انقسمت المسناة إلى قسمين رئيسين يأخذ كل منهما اسماً جديداً: فقسم يترك مسجد الحصين يميناً باتجاه الشرق وهو (مسناة العضباني)، وقسم يترك المسجد يساراً باتجاه الجنوب وهو (مسناة الشريقي)، أمّا أصل تسمية هذه المسناة فلأنها إذا انشعبت من وادي تركي فإنها تنشعب من موضع معروف يُسمّى بالشبيلي وهو منسوب إلى أسرة انقرضت أواسط القرن الماضي (الرابع عشر) وهذه الأسرة بدورها منسوبة إلى فخذ الشُبَلة من قبيلة بني خالد ولهذا فأوراقهم التي وصلت إلينا تنسبهم بلفظ "الشبيلي" للواحد وبلفظ "الشبلة" للجماعة، ومن المواضع المنسوبة إلى الشبلة هؤلاء موضع في طرف الحصين الغربي جهة (الفريعة) الآتية وعلى جال مسناة الشبيلي جنوباً ويُسمّى هذا الموضع (شُريّفة) بالتصغير فقد أخذ اسمه من موقِفته شَريْفة بنت راشد الشبيلي وهي من أواخر نساء الشبلة فقد أوقفته سنة 1338هـ ووكلت على الأضحية محمد بن عبدالعزيز بن عتي -المؤذن- وهذا بموجب ورقة أملاها القاضي عبدالعزيز بن صالح الصيرامي وكتبها ابنه عيسى، وبحسب الورقة السابقة فالوقف يحده شرقاً وقف عتيق بن يوسف.
5- وثّاب (بالتشديد): موضع يقابل مسجد الحصين شمالاً وبينهما المسناة والطريق، وكان نخيلاً محاطاً بجدار، وهذا الموضع اشتراه محمد بن حمد آل ابن علي سنة 1282هـ من طرفة وشريفة بنتَي رشيد بن خنين وأدخله في ملكه (بيت المال) الآتي وذلك بموجب ورقة كتبها أحمد بن عبدالله بن نفيسة، ثم أوقفه المشتري آخر عمره سنة 1319هـ بموجب الوصية التي ذكرناها في تاريخ عمارة مسجد الحصين حيث إنه أوقف ثلث ما يملك فجعل الورثة هذا الثلث في (وثاب)، وتولى نظارة الوقف حفيد الموقِف محمد بن عبدالعزيز بن محمد كما تشير له ورقة أملاها القاضي عبدالعزيز بن باز سنة 1371هـ، ويتولى نظارة الوقف الآن حفيد الحفيد كاتب هذه الأسطر وذلك بموجب صك نظارة صادر من محكمة الدلم برقم 37249958 وتاريخ 1-8-1437هـ.
6- وقف قوت والخادم: موضع يقع شرق وثّاب مباشرة وكان جزءاً منه في الأصل، وقد أوقفته قوت بنت رشيد آل خنين عليها وعلى خادمها سنة 1292هـ بموجب ورقة أملاها تلك السنة القاضي الشيخ عبدالله بن حسين المخضوب رحمه الله، وآل رشيد هؤلاء فرع انقطع من آل خنين ولهذا تولّى هذا الوقف عَصَبة الموقِفة من آل خنين وكان آخرهم ناظران تولياه في وقت واحد وهما: عبدالعزيز بن صالح بن خنين -أخو الشيخ المعروف راشد- والناظر الآخر هو عبدالرحمن بن إبراهيم بن خنين، وكان ذلك في عهد الشيخ القاضي عبدالعزيز بن باز بموجب ورقة مؤرخة سنة 1371هـ بمهر الشيخ رحمة الله على الجميع.
7- الحُزيْم: تصغير حَزْم وهو ما ارتفع من الأرض ولا يزال على هذا الوصف، وهو شارع الآن تليه فلة حديثة مسلحة، وموقعه شرق وقف قوت والخادم السابق إلى الشمال قليلاً وتمت الإشارة إليه في وقفيتها المتقدمة المؤرخة سنة 1292هـ.
8- بيت المال: اسم لموضع حُر يقع شمال وثّاب مباشرة وشمال الوسيطى الغربية وشرق وشيحة ويأتي الحديث عن الموضعين الأخيرين، وقد ذكرتْ (بيت المال) عدّة وثائق أقدمها ممّا وقفتُ عليه مؤرخة سنة 1282هـ أشرنا لها، وكان نخيلاً لآل حمد وفي جنوبيّه كانت تقع قصورهم التي انهدمت قبل سنوات قلائل، وكان هذا الموضع محاطاً بجدار لا تزال آثاره باقية لا سيما الحد الغربيّ الذي بُني جداره سنة 1328هـ، وقد انتقل هذا الملك بالشراء من آل حمد إلى آل يوسف هذه السنة 1438هـ.
9- وُشيْحة (بالتصغير): موضع غرب بيت المال وشمال الوسيطى الغربية وجنوب مسناة الحجاوي الآتي ذِكْرها، أقدمُ ورقة أشارت إليه فيما رأيتُه ورقة مبايعة مؤرخة سنة 1328هـ أملاها الشيخ القاضي عبدالعزيز بن صالح الصيرامي وكتبها ابنه عبدالله، ففي تلك السنة دخل جزء من وشيحة هذه في أرض بيت المال إذ كان بيت المال هذا مملوكاً لعبدالعزيز بن محمد بن حمد آل ابن علي فاشترى عبدالعزيز شرق وشيحة من إبراهيم بن محمد بن سيف وأدخلها في ملكه وبنا الجدار الغربي كما قلنا رحمة الله على الجميع.
10- مسناة الحجّاويّ: تعبر في طرف الحصين الشمالي مُشرّقةً كباقي المساني المجاورة، وسبب تسميتها بذلك لأنها تسقي الحجّاوي الواقع عن الحصين إلى الشمال الشرقي، وكان للحجاوي هذا مسجد خاص به وقد اندثر.
11- الوسيطى (الوصيطا): هذا الموضع من المواضع التي تحتاج للتحقيق لسببين: الأول منهما وجود موضعين في الحصين الآن يُعرفان بهذا الاسم عند الناس، والسبب الثاني قِدَم هذا الموضع، فبموجب ورقة قديمة مؤرخة سنة 1171هـ فقد أوقفت موزة بنت محمد بن دعفة الوصيطا "في الحصين من الدلم" على ابنتها شماء بنت عبدالله بن عطيش وجعلتْ خضريّة وقنْعة -وهما من أنواع النخيل- لعبدالله بن عثمان بن يوسف يختم لها في شهر رمضان ختمة.. إلى آخره، والورقة كتبها القاضي أحمد بن محمد بن عسكر الشافعيّ -نِسْبة للمذهب- ثم نقلها عنه الكاتب أحمد بن عبدالله آل نفيسة سنة 1277هـ وأصل الورقتين السابقتين موجود، ولتحديد أي الوسيطيَيْن هي المقصودة في وقف موزة يجب أن نتحدث عن الموضعين المعروفين الآن بهذا الاسم:
1- فالوسيطى الأولى في حي الحصين تقع عن مسجد الحصين إلى الغرب باتجاه الشمال قليلاً وهي جنوب (بيت المال) و(وشيحة) وشمال (مسناة الشبيلي)، وأقدم ورقة وقفتُ عليها تسمّي هذا المكان بالوسيطى بشكل صريح هي ورقة مؤرخة سنة 1328هـ وقد مرّت بنا، والوسيطى الغربية هذه الآن وقف لموزة المتقدّمة.
2- الوسيطى الثانية تقع عن المسجد إلى الشرق في أقصى شرق حي الحصين جنوب نخيل آل رُشيْد الحقبان المعروف وشمال نخيل العُرَدة المعروف ويحدها الشارع الأوسط شرقاً، وقد تُسمّى عند الناس (الشريقي) أيضاً ويأتي الحديث عن الموضع الأخير، والوسيطى الشرقية هذه أيضاً وقف لموزة المذكورة، وبعد التحقق والنظر في نص وقفيّة موزة اتضح لي أنّه لم يكن هناك سنة 1171هـ إلا وسيطى واحدة أوقفتها موزة المتقدّمة وأما الوسيطى الأخرى فاسمها في الوقفية "نخلها الذي لها في نخل آل أبو أحمد" فأطلق الناس على نخل آل أبي أحمد هذا وسيطى أيضاً مع مرور الزمن بسبب أنّ الموقِفة واحدة وأنّ الورثة المستحقين لريع الوقف هم نفس الورثة، ولا يعرف الناس الآن نخل آل أبي أحمد هذا ولتحديده عدنا إلى مبايعة (مشرفة) سنة 1118هـ وأنها اشترته من نخيل آل أبي أحمد وبما أنّ مشرفة هذه لا تزال معروفة كما تقدّم في سوق الحصين فتكون (الوسيطى) المقصودة سنة 1171هـ هي الشرقية، ويكون اسم الوسيطى الغربية سنة 1171هـ هو (نخيل آل أبي أحمد)، وفي ورقة أثبتها الشيخ القاضي عبدالعزيز بن باز مؤرخة سنة 1360هـ جرى فيها تحديد ورثة شماء وتم الإشارة فيها للوسيطى الغربية باسم "الوسيطى" بينما تم الإشارة للوسيطى الشرقية باسم "الشريقي" وذلك بسبب أنها متصلة بالشريقي من جهتها الغربية، هذا ما ترجّح عندي والله أعلم وفيما سبق كله تأكيد على تغيّر مسميّات بعض المواضع مع الزمن، وتجدر الإشارة أخيراً إلى أنّ الوسيطى المُشار إليها في هذا المقال تختلف عن الوسيطى المشهورة في الدلم جنوباً جهة العِذار.
12- الشُريقيّ: تصغير شَرقيّ نِسْبة إلى الجهة فهو في شرق حي الحصين وشرق مسجد الحصين مباشرة والمسجد الشريف داخل فيه كما تقدّم، وكان الشريقي كله نخيلاً ويبدأ حده الغربي من المسناة التي تحد المسجد غرباً (مسناة الشريقي) وينتهي حدّه في الشرق إلى الشارع الرئيس (الشارع الأوسط أو شارع العذار) على اعتبار أن الوسيطى السابقة -الشرقية- داخلة فيه في الزمن المتأخر كما تقدّم، وشمال الشريقي يقع العضباني -يأتي- ونخيل آل رُشيد الحقبان، وجنوبَه يقع نخيل لآل يوسف وغيرهم ونخيل العردة -الشرقيّين- المعروف، ومسناة الشريقي تحكم حد الشريقي الجنوبيّ الغربيّ، ويدخل في الشريقي (وقف هيا) و(الحيش الشرقيّ) و(وقف الشيخ ابن سالم) ويأتي الحديث عن هذه المواضع، وكان معظم الشريقيّ هذا باستثناء الوسيطى ملكاً لمحمد بن حمد بن علي -موقِف وثّاب المتقدّم- كما تشير إليه ورقة أملاها القاضي الشيخ عبدالله المخضوب سنة 1295هـ وقد انتقل معظمه الآن إلى آل يوسف فقد اشتروا جزءه الأكبر سنة 1430هـ من عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد بن حمد ثم اشتروا وقف هيا على ما سيأتي.
13- وقف الشيخ عبدالرحمن بن سالم: شرق وقف هيا -الآتي- وهو معلوم الحدود وقد أشارت له وقفية هيا المؤرخة سنة 1379هـ، وهو في الأصل جزء من (الشريقي) كما قلنا، والشيخ عبدالرحمن هذا هو قاضي الخرج من بعد سنة 1346هـ وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد بن عيد بن إبراهيم بن سالم خالديّ النسب حنبليّ المذهب، ولادته في منفوحة وقدم الخرج قاضياً وتوفي بها سنة 1350هـ وقد انقطع إلا من بنات فللشيخ أسباط من عشيرته آل سالم أيضاً أهل منفوحة ولا زالوا معروفين في مدينة الرياض.
14- وقف هيا وزوجها: هو وقف يحيط بمسجد الحصين من الجهة الجنوبية والشرقية، أوقفه محمد بن عبدالعزيز بن عتي وزوجته هيا بنت محمد بن حمد وجعلا نظارة الوقف في ابنيهما ناصر وسعد ثم في ذريتهما، والوقف في الأصل هو نصيبها من أبيها محمد -موقِف وثّاب- المتوفى حدود سنة 1320هـ ورثته منه ثم غارست زوجها عليه ثم أوقفاه آخر عمرهما، هذا كله بموجب وثيقة مؤرخة سنة 1379هـ بمهر القاضي ابن فارس وقد أشرنا لها سابقاً، ويتضح جلياً أن وقف هيا هذا ما هو إلا جزء من (الشريقي) كما تقدم، ويسمّى هذا الوقف أيضاً بالحيش، وقد دخل في أملاك آل يوسف هذه السنة 1438هـ فقد نقله آل عتي في دكان لتعطّله.
15- الحيْش الشرقيّ: الحيش صغار النخل، ويقع هذا الموضع جنوب وقف هيا المتقدّم، وقد أشارت لهذا الموضع وصية عبدالعزيز بن محمد بن حمد المؤرخة سنة 1349هـ وكان ملكاً له ورثه من أبيه ثم إنه أوقف فيه خَمس وزان من التمر يفطر عليها الصيّام في مسجد الحصين كما في نص الوصية، ويتضح جلياً أن الحيش الشرقيّ هذا ما هو أيضاً إلا جزء من (الشريقي) السابق كما قلنا وذكرنا انتقال ملكيته معه فإن عبدالله بن عبدالعزيز بن حمد -رحمه الله- باع هذا الحيش مع الشريقي ونقل وقف أبيه لتعطّله في دكّان وكان الشريقي هو نصيبه من ميراث أبيه.
16- العَضْبانيّ (بالباء الموحّدة): وهو موضع شرق مسجد الحصين إلى الشمال ويحده الطريق -سوق الحصين- شمالاً وغرباً، والمسناة التي تحد المسجد شمالاً تُسمّى مسناة العضباني لكونها تسقي العضباني هذا، أقدمُ ذِكر رأيتُه لهذا الموضع هو في ورقة مؤرّخة سنة 1379هـ وهو بلا شك أقدم من ذلك وكان حينها بستاناً ونخيلاً لآل يحيى وقبلهم كان لآل عضبان -وإليهم نُسِب-، والعضباني دخل الآن في ملك آل يوسف بالشراء من آل يحيى سنة 1437هـ.
17- الفُريْعة: موضع في طرف الحصين الغربي وكان له مسجد خاص به بُني في النصف الثاني من القرن الماضي ثم اندثر الآن وكان أهل الفريعة قبل مسجدهم هذا يصلون في مسجد الحصين، ويبدو أنّ "طالعة العردة" المذكورة في الوثيقة المؤرخة سنة 1118هـ والتي ذكرناها في رأس المقال هي في هذا الموضع فلا يزال ملك العردة -ومفردهم عُريْديّ- أهل القِبْلة معروفاً هناك غرب الوسيطى الغربية وعنده طالعة ظاهرة كما أنّ الوثيقة ذكرتْ أنّ "طالعة العردة" تقع غرب مشرفة؛ والفريعة هذه تقع الآن إلى الغرب من مشرفة.
18- الحُمَيّ: موضع جنوب قصور آل عتي.
19- المُريفِع: موضع جنوب قصور آل عتي إلى الغرب، سُمّي بذلك لارتفاعه قليلاً عمّا جاوره ويبدو أنّها تسمية حديثة وأنّ اسم هذا الموضع الأقدم هو (الخضيري) الذي تكلمنا عنه سابقاً.
20- مسناة الخشْرة: والخشرة في اللهجة الدارجة هي الشراكة فقد سُمّيت بذلك لكثرة من يسقي منها، وهذه المسناة هي حد الحصين الجنوبي كما أشارت إليه وثيقة مؤرّخة سنة 1375هـ كتبها الكاتب عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن هليّل رحمه الله وصادق عليها القاضي عبدالرحمن بن فارس، ومسناة الخشرة تقع جنوب مسجد الحصين بما يقارب 400 متر.
هذه ما أحصيتُه من مواضع قديمة في هذا الحي وممّا تيسّر لي الاطلاع على أوراقه، وما كان من سهو أو خطأ فهو من الشيطان فهذه المواضع ذهب معظم أهلها وعفا عليها الزمن وبعضها كبر وصغر وبيع منه واشتري كما أن بعضها قد يكون له اسمان عند الناس كما تقدّم ولكننا اجتهدنا وكل مجتهد مأجور إن شاء الله وحرصتُ في تحديد هذه المواضع على سؤال كبار السن الموجودين من أهل الحصين ممّن نشأ وترعرع فيه وصلى في مسجده، كما أني كثيراً ما أتجاوز المساني الصغيرة والسواقي والدروب إلى ما وراءها في ذكري لحدود المواضع السابقة فليُفطن إلى ذلك، راجياً أن يكون في هذا المبحث فائدة لا سيما للباحثين وعسى أن يكون نبراساً لهم للبحث في تاريخ هذه النواحي، ولا أنسى أن أتقدّم بالشكر إلى كل مَن أمدّني بمعلومة أو ورقة أو صورة من أهل الحي ومَن جاوره من أصهار وجيران، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
** **
- محمد بن عبدلله آل حمد