كوثر الأربش
أنا إنسانية أكثر من كوني نسوية، قلتُ هذا في واشنطن، وأمام وفود نساء العالم في برنامج الزائر الأجنبي IVLP. قلت إني مؤمنة أن تكريس الجندرية يتضمن إمعانًا في العنصرية ضدها. قلتها أيضًا، حين انضممت لمجلس الشورى، حين سألني الإعلام عن خططي في المجلس، أن المرأة من أولوياتي ولكني لن أحصر عملي في قضايا المرأة فقط، وأني أتطلع للأسرة السعودية ككل. للرجل، المرأة، والطفل. كل ما يمكنه أن يجعل حياة الأسرة السعودية أفضل يهمني. وأن للقضايا النسوية نساء من بلادي لديهن القابلية (إيمانًا، وقتًا، نفسيًا) أكثر مني في التحليق بهذا المجال.
قبل كل شيء، لنعرج معًا على مفهوم «النسوية» في العالم. حيثما تبحث عن النسوية في منشأها الأصلي، منذ عصر التنوير الفرنسي، القرن السابع عشر الماضي، حتى الحركات النسوية الحديثة مطلع التسعينيات من القرن العشرين. حيثما تبحث عن النسوية ستجد مفردات (العدالة، المساواة، الأخلاق، الوعي) متألقة ومتوافقة مع المقصد الرئيس وهو إعادة تموضع المرأة في المجتمعات العالمية. أعني تعديل وضعها من هامش السياسة، الحياة الاجتماعية، العملية والعلمية أيضًا، إلى لاعب أساسي وفاعل. لأنك لا يمكن أن تأخذ مجتمع ما للحداثة دون أن تلتفت للنساء والأطفال فيه، أي أنه من المستحيل أن تنهض مدنيًا دون أن تنهض إنسانيًا. والإنسانية في أجلى صورها هي النظر بعين الإنصاف للأقليات والمضطهدين. هكذا جرت الأمور في العالم الحديث، النسوية امتداد للوعي، التحضر، والأهم: الأخلاق. في الولايات المتحدة الأمريكية، مع ظهور الحركات الأولية النسوية، التي كانت تعني بنبذ التمييز العنصري بين السود والبيض، حق اقتراع المرأة في الاقتراع ، حق المرأة في حرية التعبير، حق المرأة في المشاركة في الفعاليات والنشاطات السياسية. كان هناك مرتكز أساسي، وهو (تكوين مجتمع قائم على قيم أخلاقية جديدة). بل أنه حتى في أكثر صور النسوية عنفًا، كنّ يؤكدن على عدم إيذاء الناس. هذا ما ستجده وأنت تقرأ سيرة المناضلة «واربس» التي فقدت ابنها وزوجها وتلقت الكثير من الهوان والألم في سبيل حق المرأة في الاقتراع، نهاية القرن 19. في الحياة تحتاج لمبدأ لتصل لأهدافك. المبدأ لا يعني الضعف والخنوع وتقديم التنازلات، بل يعني أن تتحلى بقدر من الأخلاقيات الإنسانية فلا تصل لأهدافك من خلال سحق الآخرين. فما بالك بالسائرات في طريق حقوق المرأة على أجساد بقية النساء. هذه هي النسوية لدينا. مثلها مثل كل المصطلحات التي نستورد قشورها وننسى المحتوى. بـُلي مجتمعنا بهن والله. فإن لم تكن نسخة منهن، تؤمن بترتيب الأولويات التي يرونها، وتقبل أن يصنعون منك أداة، جندي بلا سلاح في ثكنتهم ذات الزعامة المركزية. لا، ليس بلا سلاح، بل سلاح وحيد وقذر، وهو الشتائم والتهم والخوين بل ويصل الأمر للقذف إن استدعى الأمر. لأول مرة في حياتي أرى حركة تدعي مطالبة بحقوق المرأة، وهي تدعس في طريقها كل امرأة اختلفت معهن في أي شيء ولو كان الاختلاف في الطريقة وليس في الهدف النهائي.
في تويتر غرد مساعد بن عبد الرحمن بعد صدور قرار قيادة المرأة بما يلي: «طبيعي فرحهن بإعطائهن حقًا مشروعًا سبق وطالبن به، ولكن أن يصدقن أن السماح بقيادة السيارة ليس إلا نتيجة لنظالهن العظيم، فهذا محض خيال واسع يُدرّس» وهي تغريدة تحمل رأيًا دون إساءة. ولك أن تتابع انهيال النسويات بكل قبح وشتائم ودونما أدنى درجة من الأخلاق.
لستُ مع مساعد بن عبدالرحمن في كل ما قال، لستُ مع النسوية في كل توجهاتها. سأسعى بما لدي لخدمة حقوق المرأة وتمكينها، كما أسعى للطفل، رجال الأمن، ضحايا الإرهاب، البطالة، التلوث، المياه، التطرف. كل قضية تجعل من عالمنا أفضل أباركها، وأبذل مساعيي لأجلها. كل ما أردتُ قوله هنا، لكل امرأة عنيت بحقوق المرأة: «لا يمكنك احترام الحق المدني، قبل أن تحترم الحق الإنساني». حق الاختلاف في المقدمة.