عبد الله باخشوين
في الحارة التي ولدت ونشأت فيها، في مدينة الطائف.. لم يكن هناك من يجيد القراءة والكتابة، سوى شاب كسيح وفد للحارة مع عائلته لا أذكر من أية مدينة أو منطقة.. لكنه تحمل عبء كتابة الرسائل و (المعاريض) وقراءة ما يصل من ردود بصدر رحب إضافة إلى عمله ككاتب معاريض أمام المحكمة الشرعية الكبري.
وبعد أن فتحت المدارس أبوابها.. جمع أهل الحارة أبناءهم -دون النظر في السن- وأصبحنا جميعاً طلاباً في (المدرسة السعودية الأولى) التي اضطرت لاستئجار مبنى لطلبة الصف الأول في (باب الريح).. وكان من الطبيعى أن تجد إلى جوارك (شحوط) في مثل سنك.. ومن الطبيعي -أيضاً- أن تجد في الصف الرابع أو الخامس طلاباً متزوجين.. إلى أن انتظمت الأمور وأصبح لدينا (وحدة صحية) تقوم بتقدير السن والكشف على النظر.. وعلاج مرضى (السل) الذى كان أكثر الأمراض المعدية انتشاراً وفي مثل أجواء حارتنا التي سكانها من الجنود والعساكر الأميين.. كان كل بيت يمتلئ بعدد غير قليل من الأولاد والبنات الذين ولدوا (فوق بعض) مع استحالة إمكانية (تحديد النسل).
وإن كان هذا هو الذي أكد لنا أن أمهاتنا وبنات جيلهن في مختلف مناطق المملكة.. هن اللواتي ابتكرن (الاختراع) الذي يسمى بـ(الصبر).. سواء من خلال التعامل مع ظنك العيش أو من خلال حل معضلة تربية (الأولاد).. أو من خلال (فك شفرة) دكتاتور هو الزوج والأب والمعيل لكل هذا العدد الذي تضيق به الحجرات القليلة.. وحين يكون في عمله فإن عليها وحدها أن تتدبر أمر الطعام والغسل والكنس والتمريض.. وتقصير أو (خبن) ثوب الكبير ليلائم الصغير مع هذا كانت تجد الوقت لتضحك -أحياناً- وتزور الجيران.. وتشارك في الأفراح.. وتبقى آذانها مفتوحة (عشرة عشرة) لتسمع أي (نأقة) نداء تسمعها من الأب لتلبيها دون تأخير.
أثار هذا الذي تقدم سؤال أصغر أبنائي.. الذي أراد أن يفهم أحد الأمثلة الشعبية فقال:
- أيهما أصح المثل الذي يقول: (زوج ولدك يعقل).. أما الذي يقول (عقل ولدك وبعدين زوجه).
فقلت موضحاً: (على أيامنا كنا نسمعهم يقولون (زوج ولدك يعقل).. عشان كدا.. بعد ما اتزوجت جننت أمك عشرين سنة ووريتها نجوم الظهر.. وبعدين سمعتهم يقولوا عني.. أني عقلت.. لكن بالنسبة لكم.. امسك في المثل الثاني.
يعني تربيتك وعلمك وفهمك.. هيا اللي تعقلك وتخليك تشوف أحوال الدنيا صح.. ساعتها نقول عنك.. والله الولد بكامل عقله.. خلينا نشوف له بنت الحلال ونزوجه..؟! وإذا أنت (طويل) وأهبل نقول فيك (العوض على الله).
قال: (طيب.. انته كيف شايفني).
قلت: (شايفك.. عين على الشحم وعين على اللحم).
قال محتجاً: (إيش إحنا في مطعم مندي..؟! وضح كلامك)..
قلت: (يعني أنت دوبك راجع.. تبغى وظيفة.. وتبغى سيارة.. وتبغى تتزوج.. وتبغى تسافر.. وتبغى تنتبه لأمك وأبوك.. يعني تبغى تسوى كل شيء في وقت واحد).
عندها تدخلت أمه وقالت تعنفنى: (سيب الولد في حالة لا تكسر مجاذيفه خليه يسوي اللي يبغى).
ثم التفتت إليه وقالت: (سيبك من آراء أبوك السلبية.. مدام ربي كمّلك بعقلك.. تقدر تسوي.. كل شيء).