د. خيرية السقاف
في مشهد لافت لكلبةٍ أُم حرصت على حماية صغيرها فجعلت له مخبأً تحت الأرض جوار ممشى مارة, كان نفر قد شاهدها تدس نفسها في الجحر بشيء من طعام, ثم تخرج لبراح الله بعد أن تنهي مهمة أُمومتها, وبين تارة وأخرى تتردد على هذا المخبأ..
تعرّض هذا المخبأ للغرق في هطول غيث, وهي غائبة وغُمِرَ بالماء
عادت راكضة مرتعبة, وبهلع طافح أخذت تكابد الماء تدفعه بعيداً عن فوَّهة المخبأ بقدميها, بل بأربعتها, ولا تقوى!!..
امتدت نحوها تساعدها يدا أحد الطيبين الرؤوف, ذهب يسعفها بغرف الماء الغامر المخبأ بكله ويتدفق نحوه, اجتهد لإبعاده, وهي معه تفعل, حفر ما حول المخبأ وأزال عنه التراب المنحدر إليه, واجتهد في توسعة الفوَّة حتى استطاعت بمساعدته إخراج صغيرها, حين دست نفسها في العمق , وخرجت به بين فكيها لا يتحرك..
ألقته على الرصيف بعيداً عن المطر, كان صغيرها ذلك يكابد الحياة, فقد أغرقته المياه, جثة لا تبدو فيها ملامح حياة, إلاّ أنّ الرجل الرحيم أخذ يدلك بطن طفلها, يقدم له الإسعاف ما استطاع حتى أخرج الماء من منافذه في جسده المسجى, وتنفس زافراً, وحال الكلبة الأُم كما المرأة وهي تشهد احتضار فلذتها, مضطربة تذرع الأرض حول جسد صغيرها ذهاباً, وإياباً, تدور من حوله مشفقة خائفة, وحين نفض جسده المبلل, وبدت فيه الحياة, أسرعت إليه تلحسه وتشمه, وحين وقف على قدميه, أخذت تقبّله, وتلمسه بيديها, وتدور من حوله..
وكأنما بعد هذه اللحظات العاصفة بأُمومتها عادت إليها هي الحياة ذاتها التي سرت في جسد طفلها..
حينها أسلمت نفسها للراحة قليلاً جواره, بينما كان المنقذ معها يداعب الصغير..
الشاهد أنّ خشيتها من الإنسان على صغيرها قد تلاشت, وأنها أدركت المعروف الذي أسداه إليها فارتخت أعصابها, واطمأنت نفسها, وكأنما أدركت أنّ من ينقذ, لا يمكن أن يقتل, وأنّ المخابئ ليست دوماً أماكن أمان, وأنّ الماء الذي يسقي, يخنق أيضاً, ويتلاشى, وأنّ الحياة حلوة بالتعاون, وأنّ الرحمة سرُّ النَّبض..
وأنّ, وأنّ .. وأنّ.. مما يغفل عنه الإنسان ذاته..
بعد ذلك, الكلبة لم تغادر بيت المنقذ, وبقيت وصغيرها خارج الحفرة..!!
حتى الكلبة تُعلم الإنسان!!
كما يعلمه المطر!!..