د. أحمد الفراج
كان ممتعاً للغاية أن تتابع ردود الفعل، على الأمر السامي الكريم، الذي سمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، فقد ثبت بالدليل القاطع أن الحزبيين السعوديين لم يكونوا إلا مجرد قلة أصواتها عالية، واستطاعت هذه القلة، المنبوذة حالياً، أن تتحدث باسم مجتمع كامل، وأن تساهم في تأخير كثير من القرارات التنموية، وتتسبب، قصداً أو بحسن نية، في جعل المملكة في مرمى سهام الإعلام العالمي، والمنظمات الحقوقية، فكثير من التصرفات والتصريحات الرعناء، التي صدرت من أقطاب هذا التيار، كانت من الغرابة بحيث أنها مستنكرة لدى المواطن السعودي ذاته، ناهيك عن المتابع الغربي، ولعلكم لا زلتم تذكرون ذاك الذي طالب بتغطية وجه الشاب الوسيم، والآخر الذي قرّر أن قيادة المرأة للسيارة تؤثِّر على صحتها، ولا يراودني أدنى شك بأن كل هذا أصبح من الماضي، بعد أن عانينا منه زمناً طويلاً.
نظام الحمدين في قطر، الذي يسعى منذ سنوات طويلة لزعزعة أمن المملكة، عن طريق خلايا تنظيمات الإسلام السياسي، كان يقتات على خزعبلات الحزبيين السعوديين، ويدعمهم لإثارة المجتمع، ضد أي رؤية جديدة أو قرار جديد، وما عمل المرأة عنا ببعيد، ثم تقوم خلايا قطر الخارجية بنشر هذه الأخبار الشاذة في الإعلام الغربي، بهدف وسم المملكة بالتطرف والتخلف، وكانت هذه الإستراتيجية تسبب لنا الأذى، رغم أن ما يعترض عليه الحزبيون هي قضايا خلافية، أو مباحة شرعاً، فلم تكن الغيرة الدينية هي الباعث على الإطلاق، فالأمر برمته مسيّس، ولا أدل على ذلك من تأييد هؤلاء الحزبيين لذات القرارات التي كانوا يعترضون عليها، بعد أن أيقنوا أنه تم كشف كل خيوط المؤامرة، التي تستهدف هذا الكيان الشامخ، الذي يتجدد، ويلامس عنان السماء، كل ما حاول خصومه تقزيمه، لأنه يتكئ على إرث تاريخي طويل يمتد لقرون.
لم ولن تكون قيادة المرأة للسيارة هي نهاية المطاف، فقد أعقبها الأمر بدراسة قانون للتحرّش، وهو أمر في غاية الأهمية، فالقانون وتطبيقه كفيل بردع أي متهاون، وغني عن القول إن الحزبيين السعوديين لعبوا على وتر أن الشاب السعودي عبارة عن ذئب بشري، والفتاة السعودية فريسة، وهذا يناقض الواقع الذي يقول إن الغالبية العظمى من شبابنا وبناتنا أكرم وأشرف وأرقى خلقاً مما يصورهم به هذا الخيال المريض، وقد كنت شاهداً على مواقف لشباب سعوديين، تطوّعوا لمجابهة متحرِّشين في أماكن عامة بكل حزم، انطلاقاً من خلقهم القويم، ونبلهم، وتربيتهم الحسنة، وكل الدلائل تشير إلى أن هناك قرارات تنموية قادمة، فمجتمعنا تجاوز مرحلة سيطرة المتشددين، وانطلق فعلياً للحاق بالعالم، والمجتمعات الحيّة المتوثبة لا تتثاءب، وكل هذا تم، وسيتم، وفق رؤية القيادة، التي تطمح بأن تكون المملكة لاعباً رئيسياً في هذا العالم المضطرب، والمنصف يلاحظ أننا في الطريق الصحيح لتحقيق هذا الهدف الكبير.