وأخيراً صدر التوجيه الملكي الكريم بالموافقة على قيادة المرأة للسيارة في بلادنا الغالية بعد أن تم عرض القضية على مجلس هيئة كبار العلماء ووافقوا بالأغلبية على ذلك مستحضرين حاجة المجتمع الملحة لهذا الأمر.
وقد صدرت الموافقة من أعلى وأكبر سلطتين في البلد: السلطة التشريعية التي تستمد منهجها وقوتها من الكتاب الكريم والسنة المطهرة فهما المرجعان الأساسيان لهذه السلطة ويمثلها في بلادنا الطاهرة هيئة كبار العلماء، والسلطة التنفيذية التي تنفذ ما تراه السلطة التشريعية بحزم وعزم، بلا تردد وتوقف، ويمثلها في ذلك الملك أو من ينيبه، هذا هو المنهج الذي عليه بلادنا منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، فالملك ينفذ شرع الله في عباد الله في الحدود وغيرها.
وقيادة المرأة للسيارة قضية اجتماعية أبت إلا تفرض نفسها على واقعنا المعاصر أبينا أو قبلنا، وكم هي الأسر السعودية التي عانت وتعاني من عدم وجود من يقوم بحاجاتها ومتطلباتها في ليل أو نهار، وتبقى هذه الأسر رهينة سائق أجنبي عنها في شخصه وربما في دينه وخلقه، فضلا عن تعامله واطلاعه على خفايا هذه الأسرة، وكل حاجاتها ومتطلباتها، وربما خلوته بنسائها، وكم هي الحوادث المريعة التي يرتكبها هؤلاء السائقون بهذه الأسر: مرورية وأخلاقية وتعاملية !! فصبرت هذه الأسر تنتظر الفرج والإذن من ولي الأمر؛ كي يسمح بقيادة إحدى فتياتها للسيارة فتسلم هذه الأسرة من شر بعض هؤلاء السائقين ومكرهم وسوء تعاملهم.
ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية لولاة أمرنا حفظهم الله نظروا لهذه المعاناة بعين الرحمة والشفقة فأحالوا هذه المعاناة وهذه القضية للعلماء فأفتوا بالجواز لمن ترغب من الأسر الحصول على رخصة قيادة لإحدى بناتها بضوابط شرعية واجتماعية ملزمة كل فيما يخصه.
إن ولي الأمر وهو يصدر أوامره بهذه القضية إنما يضطلع بمسؤوليته الكبرى أمام الله تعالى والتاريخ؛ كي يفك هذه المعاناة المريعة التي تسكن أسرا وعوائل غاب عائلها، وأسرا أتعبهم سائقون أجنبيون بلا ضمير وخلق ووجدان، وهي حتما ليست ملزمة للجميع بل لمن يرغب في ذلك.
وكم هي التحويلات المالية من هؤلاء السائقين لبلدانهم كان الوطن بها أولى، والأسر لها أحوج.
والقرار طبعي في توقيته؛ فالمرحلة تتطلبه، والزمن يفرضه، فلا مجال للتردد في أمر يفرضه واقع الحياة، ومتطلب المرحلة، وتطورات الحياة وكان متوقعا صدوره دون أدنى مفاجأة.
والمرأة السعودية ستبقى بإذن الله -مهما أرجف المرجفون -معتزة بدينها، محتشمة بحجابها، ملتزمة بأوامر دينها، ولن يخرجها عن هذا الالتزام قيادة سيارة أو طائرة وغيرهما، وسيبقين دوما رموزا للحشمة والحياء، وقدوات لكل نساء الأرض بالدين والالتزام والحياء.
وسيبقى مجتمعنا السعودي بأخلاقه العربية، ونضجه القيمي، وتعفف شبابه، وأخلاق نسائه مدى الدهر ولن يخرجه عن هذه المثل قيادة المرأة للسيارة كما يظن المتشائمون المترددون، بل لن يزيد القرار المجتمع إلا نضجا ومسؤولية.
إن العبرة في كل الأمور بمقاصد الشريعة ومسلماتها، وليست قيادة المرأة للسيارة من المسلمات الشرعية بحال، بل هي مسألة اجتهادية بحتة وحكم الحاكم من ولاة أمر وعلماء يرفع الخلاف، فيلتزم الجميع الأمر وينفذوا التوجيه - لمن رغب - وفق ضوابط شرعية وتنظيمية يراها ولي الأمر حفظه الله.
وتجربة بعض فتياتنا ممن سافرن للغرب للدراسة وغيرها واضطررن للقيادة وغيرها مما يتطلبه البقاء في تلك الدول ما زادهن التحضر إلا حشمة وحياء وثباتا.
وإن تخوف البعض وترددهم حول هذه القضية الاجتماعية ربما له ما يبرره شأن كل أمر جديد وقريبا بإذن الله ستعتدل النظرة ويعم الاتزان ويكون الأمر طبيعيا شأن كثير من قضايا المجتمع الجديدة، وهذا يحصل في كثير من البلدان والشعوب.
أسأل الله تعالى أن يحمي هذه البلاد المباركة من مكر الماكرين، الذين يثيرون الفتن، ويتبعون الهوى، ويفرقون المجتمع، ويصطادون في الماء العكر.
وحفظ وسدد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين. وأبقاهما نصرا وعزا للبلاد والعباد، وأدام الأمن والسلام على بلادنا الغالية.
** **
محمد بن عبدالله بن علي العمار - معيد في كلية اللغة العربية