ياسر صالح البهيجان
يمثل جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة مجتمعية للحفاظ على الآداب العامة وضمان عدم خرق المبادئ الأخلاقية، ما يفرض عليه ضرورة انتقاء أعضائه الميدانيين بعناية، ليس فقط فيما يتصل بكمية مخزونهم من العلم الشرعي، بل أيضًا تمكنهم من التعامل الأمثل مع الجمهور، ومرونتهم في التعاطي مع الأحداث، وسلامتهم نفسيًا من أي اعتلالات قد تجدف عكس تيار أهداف الجهاز السامية.
اتجاه الهيئة إلى إيجاد مقياس مهني يضبط آلية اختيار العاملين في الميدان خطوة موفقة، لتقنين وتنظيم عملهم وفق ضوابط حديثة تنسجم مع واقع المجتمع وبما لا يعيق دورهم في تأدية واجبهم في توفير بيئة أخلاقية آمنة. زمن الاجتهادات الفردية والاحتساب العشوائي انتهى، بعد أن أثبتت الوقائع أن أضراره على المجتمع تتجاوز إيجابياته، وأن التدين وحده ليس كافيًا لممارسة مهنة الإصلاح الاجتماعي، وثمة اشتراطات مهنية دقيقة قادرة على تحسين جودة العمل وفق رؤية إصلاحية جديدة تنبذ التشدد والعنف في الدعوة والتوعية والإرشاد.
كما أن تركيز الهيئة على الجانب الميداني بمفرده قد يعيق مساعي التطوير، ويسهم في غياب دورها الوقائي الذي يحفظ المجتمع من الوقوع في الأخطاء الأخلاقية، ما يعني أنها مطالبة بتعزيز الاتجاه التوعوي وعقد الندوات الشبابية داخل الجامعات والمدارس لتثقيفهم بأهمية الالتزام بالأخلاق السامية، وتحثهم على التقيد بالسلوك القويم، وذاك دور أكثر أهمية من تتبع السلوكيات الشاذة في المجتمع، لأنه قد يمنع وقوعها أصلاً إن تمت التوعية بأساليب جاذبة ومؤثرة وتتوافق مع ذهنية الأجيال الشابة.
والحقيقة أن الهيئة عالجت الكثير من السلبيات، وبدأت بممارسة دور أكثر فاعلية في الأشهر الماضية منذ قرار تنظيم عملها، وأخذت تراجع معايير اختياراتها للعاملين الميدانيين وطبيعة مهامها في التعامل مع المجتمع، وأدركت بأن صلاحياتها محددة وفق إطار تنظيمي لا يقبل تجاوزه إلى ما يمس الحريات المكفولة للأفراد، وهو تحول جوهري جعلها تحظى بقبول مجتمعي، ما يؤكد ضرورة المضي قدمًا في مساعي الإصلاح داخل منظومتها لمواصلة التصحيح بما يتماشى مع التوجهات الطارئة داخل المجتمع.
المرحلة الراهنة تتطلب كوادر مدربة وخاضعة لاختبارات مهنية تراعي الجوانب الشرعية والنظامية والاجتماعية والنفسية، لتتمكن من الاضطلاع بالأدوار الكبرى الملقاة على عاتقها، ولتقلل من نسبة الأخطاء والاجتهادات الفردية المعوقة لتطور المجتمع.
الجهاز له مكانته الاجتماعية ويحظى بدعم من القيادة الحكيمة، وتنتظره مسؤوليات لا يمكن مواجهتها بآليات عشوائية، لذا يتطلع الجميع لواقع ينسجم مع الظرف الحالي، ويسير مع تيار التحول الوطني غير المسبوق نحو حريات منضبطة ومجتمع أخلاقي آمن.