في مسيرة الأمم مراحل ومحطات مهمة لا يمكن تجاوزها لأنها محفورة بذاكرتها وجزء من كينونتها ولهذا يتم تخليد هذه المناسبات عبر التاريخ لتكون شاهداً خالداً على مسيرة تتسم بالعراقة والأصالة وحافلة بالتضحيات والإيثار ودافعة للإنجازات المستقبلية.
ويمكن قياس تمايز الأمم فيما بينها بمقدار تمسكها بتراثها واعتزازها بقيمها واستمدادها مصادر قوتها من إرثها الحضاري وسيرة قادتها العظام. ولهذا تميزت المملكة العربية السعودية في جميع مراحلها وفق منظومة عمل وبرؤية واضحة ومتميزة تميزاً يكاد أن يكون فريداً من نوعه مما جعلها تحتل مكان الصدارة بين سائر الدول وبمجموعة فريدة من الخصائص. وقد سارت المملكة العربية السعودية في تاريخها كله على قواعد صلبة تستمدها من هدي الإسلام وسماحته ومدعومة بمجموعة من القيم العربية الأصيلة.
إننا ونحن نعيش في عبق ذكرى اليوم الوطني لهي فرصة مهيأة لاستعادة واستذكار التضحيات الجسيمة التي بذلها الآباء والأجداد بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله. تلك التضحيات كانت أسطورية في كل جوانبها ومثار فخر لكل الأجيال، بل ومصدر إلهام للأمم والشعوب الأخرى وتفرض علينا استذكارها والاحتفاء بها.
لقد كانت تلك المسيرة الظافرة مقدمة لإنجاز ملحمة وطنية لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيل كان من نتاجها تأسيس دولة عظمى ومترامية الأطراف. ونعيش هذه الأيام حقبة مهمة في تاريخنا الوطني تمثل إضافة ذات قيمة عالية لمنجزاتنا الوطنية التاريخية.
إننا نعيش في عصر مجيد وفجر جديد هو امتداد لمرحلة التوحيد والتأسيس بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-. فالملك سلمان -أيده الله- وسدد على طريق الخير خطاه من القادة القلائل على المستوى الإقليمي والعالمي الذين اكتسبوا خبرات ثرية ونادرة في مسارات التاريخ المختلفة يواكب ذلك شجاعة في الحق واعتزاز مقامة الكريم بالقيم النبيلة والأصالة العريقة لهذه البلاد وشجاعة في الحق منقطع النظير ولهذا نجده يهتم بالتفاصيل الدقيقة لمكونات هذا الوطن الحضارية والثقافية والتاريخية والاجتماعية في ظل وهدي الكتاب الكريم والسنة المطهرة وسيرة السلف الصالح.
إن الرؤية التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين في القيادة والتخطيط ليست مقصورة على المملكة العربية السعودية، بل امتدت إلى الأمة العربية والإسلامية بشكل خاص واستفاد منها العالم بشكل عام وذلك لاستشعار خادم الحرمين ومسؤولية المملكة تجاه العالمين العربي والإسلامي.
لقد انتزعت المملكة في عهده -رعاه الله- مكان الصدارة في قيادة الأمة وتصدت للدفاع عن حقوقها في جميع المحافل الدولية وحققت إنجازات في هذا المجال غير مسبوقة. سعت المملكة في عهده -أيده الله- إلى توحيد الأمة برؤية واضحة وذلك من خلال إنشاء التحالف العربي والإسلامي وكذلك تحقيق إجماع دولي على تبني الرؤية السعودية في توصيف الإرهاب ومحاربته وتتبع ظواهر التطرف لاجتثاثها والقضاء على أسبابها والعمل على إنهاء البيئة الجاذبة لهذه الجماعات والتيارات والتنظيمات الإرهابية.
إن سعي المملكة لمواجهة التطرف والإرهاب نابع من إيمانها العميق في أن هذه الظاهرة دخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية وأنها تخالف مقتضيات الشريعة الإسلامية ومقاصدها. ولهذا كان الأمن والتعاون الإقليمي والدولي ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال ومحارية التطرف ومواجهة الإرهاب والقضاء على البيئة المنتجة للكراهية بين الأمم والشعوب إحدى الأولويات في السياسة السعودية الخارجية في عهده الميمون.
وقد أثمر هذا الاهتمام عن انعقاد قمة القرن التي جمعت أكثر من خمس وخمسين دولة في رحاب الرياض ونتج عنها قرارات مصيرية في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه ومتابعة مصادر تمويله وبإجماع دولي على دور المملكة الرائد في هذا المجال.
ونستذكر في هذه المناسبة الوطنية العظيمة الجهود الرائدة لسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.. فسموه أضحى أمل أمة وقدوة ملهمة لجيل الشباب لما يمثله سموه الكريم من مرحلة جديدة يتجسد فيها طموح الشباب وعزم القيادة وحزم الفرسان وتتجلى فيها أخلاق النبلاء.
فالبرامج التنموية والاقتصادية التي تبناها سموه برامج واعدة لمستقبل زاهر لمملكة قوية وفتية ومحفزة لجيل الشباب ليشارك بفاعلية في تحقيق البرامج الطموحة التي أعلنها سموه في برنامج التحول الوطني والرؤية الوطنية 2030م. والتي ستنقل المملكة لعصر من القوة الصناعية والاقتصادية والرفاه الاجتماعي وبمنهجية تتلاءم وتتناسب مع خصائص الدولة والمجتمع.
إن أهم مقومات قوة الدولة واستمراريتها يتجسد في المحافظة على القيم العليا للدولة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال تحقيق تنمية متوازنة ونهضة شاملة والعمل على استتباب الأمن والرفاه الاجتماعي ولن يتأتى ذلك إلا بمحاربة واجتثاث كل ما يعكر الاستقرار واستئصال كل ما يسهم في نشر ثقافة الكراهية وبث الخوف وتعزيز اليأس بين الناس بجراءة ومنهجية.
ولعل من أبرز المهددات في هذا العصر لوحدتنا الوطنية وتؤثر بشكل مباشر على استقرانا الاجتماعي والسياسي وازدهارنا الاقتصادي وتقدمنا العلمي تلك الأفكار المتطرفة والاقصائية والانتماءات الحزبية وتأسيس التنظيمات الحركية التي تسعى بمجملها إلى النيل من مقدراتنا الوطنية فتحاول تضخيم الأخطاء وتكرار نشرها وفق منهجية مؤدلجة والتقليل من المنجزات الوطنية أو التشكيك فيها أو التقليل من تأثيراتها الواضحة على تحسين مستوانا المعيشي.
إن سعي تلك الجهات المعادية لمكوناتنا الوطنية ووحدتنا السياسية واستقرارنا الأمني وازدهارنا الاقتصادي واستمرارها في استهداف المملكة وفي كل المناسبات وبمختلف الوسائل ليؤكد بشكل قاطع أن هذا التهديد الجدي والخطير يجب أن يتم التصدي له وبكل الوسائل وبلا هوادة أو تسويف لنكفل لهذا الوطن أمانه واطمئنانه.
إن ثقتنا القاطعة والتي لا لبس فيها يدعونا للتفاؤل بأن مستقبلنا ومستقبل أجيالنا سيكون مشرقاً ووضاءً وأن المملكة العربية السعودية وفق هذه المنجزات ستحتل المكانة المستحقة لها كدولة قائدة في العالم الجديد. أنا على يقين لا يخالطه شك أن كل الأمنيات والآمال ستتحقق وأننا سنصل إلى ما نريد ونصبوا إليه بفضل الله ثم بحزم سلمان وعزم محمد.
** **
د. نايف بن خالد الوقاع - رئيس الدراسات المدنية - كلية الملك خالد العسكرية